خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله(ص) أحد أصحابه وهو أبو ذر الغفاري عندما قال له: يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.

يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك فإنك بيومك، ولست بما بعده فان يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.

يا أبا ذر كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه.

يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا.

أيها الأحبة: إننا احوج ما نكون إلى هذه الوصايا التي تجعلنا أكثر وعيا لموقفنا في هذه الدنيا ولمسؤولياتنا التي علينا أن نبادر للقيام بها وأقدر على مواجهة التحديات..

والبداية من الوضع الاقتصادي والمعيشي الضاغط على اللبنانيين والذي بات مأساويا بفعل الارتفاع  المتصاعد لسعر صرف الدولار والذي يخشى أن يصل إلى أرقام غير مسبوقة، ومن الطبيعي أن يزيد ذلك في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات وكلفة الدواء والاستشفاء والنقل في بلد يدولر ويترك تأثيراته على حياة اللبنانيين وبات يمس بمؤسسات الدولة وإداراتها الذي وصل أخيراً إلى القضاء، وبدلاً من أن يدعو ذلك إلى أن تستنفر الدولة أجهزتها لتخفيف العبء عن مواطنيها فإننا نجد إمعاناً في زيادة الأعباء عليهم ومد اليد إلى جيوبهم الفارغة، فبعد رفع الدعم عن المازوت هي تتجه إلى إقرار رفع الدعم عن البنزين والطحين ورفع الدولار الجمركي أضعافاً مضاعفة في بلد يعتمد في أكثر احتياجاته على الاستيراد من الخارج، ومن دون أن تؤمن الدولة البدائل التي تتيح للمواطن تحمل هذه الأعباء، فلا الرواتب ارتفعت وإن ارتفعت فليست بالمستوى المطلوب، ومن دون توفير التقديمات الاجتماعية الكافية التي تقدم للطبقات المسحوقة، وهي إن قدمت فبالنزر اليسير…

فيما لا يزال العالم يدير ظهره لهذا البلد ولا يريد مساعدته حتى يسلم للشروط التي يريدها أو هو ينتظر الإصلاحات التي لم تتم حتى الآن، وإذا قدم بعض المساعدات فهي لإبقاء لبنان على قيد الحياة.

ونحن أمام ما يجري نعيد دعوة الحكومة والمجلس النيابي إلى عدم استسهال مد اليد إلى جيوب اللبنانيين وإعادة النظر بأي قرارات قد تزيد من معاناتهم وأعبائهم ونخشى إن استمرت في هذا الأسلوب أن نصل إلى الانفجار الاجتماعي الذي قد يودي بالسلم الأهلي.

 إن على كل من هم في مواقع المسؤولية أن يتقوا غضب الناس وسطوتهم ورفع أصواتهم بعد أن باتوا غير قادرين على تحمل كل هذه الضغوط، بعدما استنفذوا كل مخزون الاحتياط لديهم الذي كانوا يستندون إليه سواء من جنى عمرهم أو مما كان يأتيهم من الخارج، وأن لا يراهنوا على صبر اللبنانيين وأنهم سرعان ما يتأقلمون مع واقعهم وأنهم لن يخرجوا من تحت سلطانهم.

ومن هنا فإننا نجدد دعوتنا للمعنيين بتأليف الحكومة إلى القيام بمسؤوليتهم بتأليف حكومة قادرة على إيقاف هذا الانهيار الذي وصل إليه البلد، ومعالجة الأزمات والملفات المطروحة ونحن نقف مع كل جهد يبذل على هذا الصعيد، فالبلد لا يمكن إدارته بحكومة تصريف أعمال لا تملك الصلاحيات الكاملة ولا تحظى بتمثيل المجلس النيابي الجديد.

في الوقت الذي ندعو إلى تهيئة كل المناخات التي تؤدي إلى الإسراع للتوافق على رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين وإدارة دفة البلد إلى شاطئ الأمان، إننا نرى أن القوى السياسية قادرة على تحقيق ذلك إن خرجت من حساباتها الخاصة والضيقة ورهاناتها غير الواقعية وفكرت بمصلحة هذا الوطن وبمصلحة إنسانه وحتى بمصلحتها، فاللبنانيون لن يغفروا بعد هذا اليوم بمن يفرّط في مصالحهم.

أما على صعيد المودعين، فقد كنا ننتظر أن تستنفر كل الجهود بعد الحادثة الأخيرة التي حصلت في أحد المصارف لمعالجة قضية المودعين، وتلافي المخاطر التي يمكن أن تترتب على عدم حلها، إلا أن أي تحرك لم يحصل على هذا الصعيد.

ونحن هنا نجدد دعوتنا إلى الإسراع بمعالجة هذه القضية وعدم ترك هذا الجرح مفتوحاً منعاً لوقوع حوادث قد تكون تداعياتها أخطر من هذه الحادثة.

في الوقت نفسه ندعو إلى البت في الدعاوى المطروحة أمام القضاء، وعدم الرضوخ لتهديدات المصارف، ومن المؤسف هنا القول إن اللبنانيين الذين يملكون الجنسية الأخرى باتوا قادرين على الاستفادة من جنسياتهم لتحصيل إيداعاتهم من البنوك اللبنانية من خلال جنسيتهم هذه، كما حصل أخيراً في بريطانيا فيما لا يستطيع اللبنانيون ذلك من خلال قضائهم.

وبالتوجه إلى قضية الترسيم البحرية، حيث لا يزال لبنان ينتظر رد الكيان الصهيوني على المطالب اللبنانية، فإننا على هذا الصعيد نحذر من المماطلة التي ينتهجها هذا العدو، والذي يهدف من خلالها إلى كسب الوقت إلى حين البدء باستخراج الغاز، لفرض أمر واقع على اللبنانيين وإحراجهم أمام العالم التواق للحصول على هذه المادة الضرورية.

ونشدد على وحدة الموقف اللبناني ومنع العدو الصهيوني من الاستفادة من الانقسام في مقاربة هذا الملف لتعزيز موقعه وفرض شروطه.

ونبقى في الشأن السوري، حيث تستمر معاناة هذا البلد بفعل الاعتداءات المتكررة من العدو الصهيوني التي تطاول أمنه واستقراره وتهدد حياة أبنائه وجنوده، فإننا نعلن الوقوف إلى جانبه وندعو الدول العربية للوقوف مع أشقائهم في هذا البلد العربي وعدم تركهم لمعاناتهم أو استفرادهم وتحويل هذا البلد إلى لقمة سائغة لمن يريد إضعافه أو نهب ثرواته وإفقاده مقومات وحدته.

وعلى صعيد العراق، فإننا نجدد دعوتنا لكل القوى السياسية التلاقي مجدداً للحوار الذي يبقى هو السبيل الوحيد لإخراج العراق من المأزق الذي وصل إليه والنهوض بهذا البلد حيث لا استقرار للعراق ولا حل لأزماته بالغلبة والاستئثار، بل بالتعاون والتواصل والعمل جميعاً لمصلحة الشعب العراقي.

أما في أفغانستان، فإننا نندد بأعمال التفجير التي تطاول أكثر من مسجد والذي أودى بعدد كبير من روادها… وندعو في هذا المجال الحكومة الأفغانية لتحمل مسؤوليتها في حماية المساجد والوقوف في وجه الإرهاب الذي لا يبالي بحرمة بيوت الله ولا يراعي المصلين فيه.