فلسطينُنا أرضٌ وبحرٌ وفيءٌ وسماءٌ ونهرٌ ونفطٌ وغازٌ وماءٌ ..بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

فلسطينُنا أرضٌ وبحرٌ وفيءٌ وسماءٌ ونهرٌ ونفطٌ وغازٌ وماءٌ ..بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كل الأرض الفلسطينية من البحر غرباً إلى النهر شرقاً، ومن رفح جنوباً حتى رأس الناقورة شمالاً، أرضٌ عربيةٌ فلسطينيةٌ، أرضها وسماؤها وبحرها، كانت لنا وحدنا، وإلينا ستعود حرةً مهما طال الزمن وتعذرت الظروف وتعثرت المحاولات، ولعلها اليوم إلى الحرية أقرب وإلى النصر أسرع، وما دماء شعبنا ومقاومته إلا إيذاناً ببزوغ الفجر ودنو ساعة الحرية والخلاص، فقد اقتربنا من ساعة الحسم ويوم النصر، وها هو العد يشعر ويدرك، ويخشى ويقلق، وقد علمتنا سير الشعوب وتجارب الأمم، التي صمدت وقاومت، وصبرت وضحت، أن النصر حليفها والحرية مآلها، وأن العدو مهما طال وتمكن، ومهما طغى واستعلى، فإنه إلى رحيلٍ وفناءٍ، وكيانه إلى تفككٍ وزوال.

 

أرضنا الفلسطينية المباركة، جوفها العميق وبحارها وأنهارها، بحدودها التاريخية المعروفة، ومساحتها الموثقة والمسجلة، وتاريخها القديم الموغل في أعماق الزمن، هي للفلسطينيين العرب وحدهم، لا ينازعهم عليها أحد، ولا يدعي ملكيتها سواهم، ولا يحرمهم منها إلا غاصباً محتلاً.

 

وما حوت أرضنا الفلسطينية من خيراتٍ طبيعية وكنوزٍ دفينةٍ وآمالٍ مستقبلية هي لنا وحدنا، النفط والغاز والمعادن والمياه وغيرها مما تفيض به علينا السماء وتفيء به الأرض، وتكشف عنه الأيام، ويتكون فيها على مر الزمان، وقد أظهرت مختلف البحوث العلمية والمسوحات الميدانية، أن فلسطين غنية بالخيرات وزاخرة بالكنوز، وأن ما فيها يكفيها ويفيض عن حاجتها، ويجعلها غنيةً ثريةً، ويجعل أهلها أعزةً كراماً.

 

إلا أن العدو الغاصب والكيان اللقيط يسرقها وينهبها، ويغتصبها ويصادرها، ويجوع أهلها ويحرمهم منها، ويدعي زوراً وبهتاناً أنه مالكها وصاحب الحق فيها، ويعينه على بغيه آخرون فيعترفون بشرعية ما اغتصب، ويفاوضونه على تقاسم ما نهب، ويعملون معه على انتزاع الحقوق وتأمين استخراج خيرات الأرض، وضمان بيعها وتصديرها، والتكفل بحمايتها وعدم الاعتداء عليها.

 

لا يكتفي العدو الصهيوني باغتصاب الأرض وطرد السكان، وقتل الإنسان، ومصادرة الحقوق، والتضييق على المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، وكما اعتدى قديماً على المياه الجوفية واستأثر بها، وعلى الأنهار وسرقها، فها هو اليوم يسرق ذهبنا الأسود وغازنا الطبيعي، ويباهي دول العالم بأنه أصبح كياناً نفطياً، ويحق له أن ينظم إلى نادي الدول النفطية، فها هو يتحكم في بحارٍ من النفطِ، وحقولٍ غنيةٍ بالغاز، ويقدم نفسه لأوروبا الخائفة من البرد، وأمريكا المفزوعة من ارتفاع الأسعار، أنه المنقذ والمخلص، وأنه القادر على المساعدة والخدمة، وضبط الأسعار وتعويض النقص.

 

أمام هذا التغول الكبير والاعتداء الغاشم والحرمان المقيت والحصار القاسي، ينبغي على الفلسطينيين أن يطوروا من مفاهيمهم النضالية، وأن يعددوا وسائلهم المقاومة، وأن يغيروا خطابهم ويشرحوا معاناتهم، وأن يعلم العالم كله مدى الظلم الذي يلحق بهم، وحجم الأذى الذي يتعرضون له، فقد أصابهم في ظل معايير النظم العالمية الظالمة، التي تسكت على سياسات الحصار والتجويع، والحرمان والعقاب الجماعي، كما يقول المثل العربي القديم، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول، فنحن لسنا فقراء حتى نجوع، وأرضنا ليست جافة حتى نعطش، ومياهنا ليست شحيحة حتى منها نحرم، وخيراتنا ليست قليلة حتى تنضب.

 

نحن نريد أرضنا بكل ما فيها من خيرات، وسنناضل من أجل عودتنا إليها والعيش فيها والاستمتاع بما أفاء الله به علينا فيها، ولن نسكت عن حقنا فيضيع، ولا عن نفطنا فيسرق، ولا عن غازنا فينهب، ولا عن أي شيءٍ لنا فيها وعليها فينسى.

 

لا فرق بين الغاز والقدس، ولا بين النفط والأقصى، أو الأرض والمياه، والحقوق والمقدسات، والمواطن والحرمات، والتاريخ والموروثات، والقبور والمقامات، والمساجد وحرية الصلاة، فكلها حقوقٌ وطنيةٌ فلسطينية، وجب علينا تحريرها واستعادتها، والمقاومة في سبيلها والتضحية من أجلها، والتمسك بها وعدم التفريط بها أو المفاضلة بينها، فهي كلها سواءٌ لا فرق بينها، فمن يفرط في قطرة ماء يفرط في شبر أرض، ومن يتنازل عما في جوف الأرض يخسر ما فوقها، ويهون عليه ضياع خيراتها، ومن يساوم على الحقوق يساوم على الأرض، ومن يقبل بأنصاف الحلول لا يلوم القوي إن طرده والباغي إن حرمه.