مصيرُ الاحتلال بين صواعق التفجير وحتمية التفكيك.. بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

مصيرُ الاحتلال بين صواعق التفجير وحتمية التفكيك.. بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا تستطيع دولة الاحتلال الصهيوني أن تنكر أنها حكومةً وجيشاً، ومؤسساتٍ رسمية وأجهزة أمنية، وأحزاباً ومستوطنين، وحلفاء ومناصرين، أنها باتت في نهاية ربع الساعة الأخير من عمرها الافتراضي، الذي لم تتجاوزه يوماً في تاريخها المُدّعَى وأساطيرها المختلقة وممالكها الهالكة، وفق ما يقولونه أنفسهم عن مستقبل كيانهم، وعن التحديات التي يتعرض لها وجودهم الآمن والقوي الذي يأملون به ويعملون له، فقد آذن كيانهم على الرحيل وشعبهم على الشتات من جديد، وفق ما يقوله المتخوفون من استعلائهم الكبير، والغاضبون من دولتهم الظالمة، الذين يعتقدون أن وجودها معصية واستمرارها أثمٌ، وهي مخالفة لتعاليم الرب، وكأن قادة الكيان يمهدون بإصرارهم على استمرار وجوده والتمسك ببقائه، لرحيلهم ونهاية زمانهم.

 

لا تتوقف الأخطار الوجودية الصهيونية على المعتقدات اليهودية والنبوءات التوراتية، ولا تنتهي عند تصريحات العارفين من رجال الدين والحاخامات، والمفكرين وكبار الضباط، والقادة والمسؤولين، بل تتجاوزها بقوةٍ لجهة حالة عدم الاستقرار العامة التي بات الكيان يعيشها على مدى الساعة، فهو وجيشه وأجهزته الأمنية في حالة استنفارٍ دائمٍ وجهوزية عالية، تؤثر بصورةٍ مباشرة على نمط الحياة العامة وسلوك المستوطنين، وتلقي بظلالها السلبية على النشاط الاقتصادي وسوق العمل بمختلف مرافقه، وتكشف عن العوار الشديد الذي بات يصيب الهياكل الاقتصادية المختلفة، بأسواقها المحلية والعالمية ومرافقها المختلفة.

 

لكل شيءٍ سبب، ولعل تصاعد عمليات المقاومة واشتداد عودها وقوة ساعدها، وتنوع أساليبها وتعدد أشكالها، واشتعال جذوتها في القدس وأحيائها، وفي مدن الضفة الغربية ومخيماتها وبلداتها، وعجز الجيش والأجهزة الأمنية على اجتثاتها أو وضع حدٍ لها، والتخفيف منها أو التصدي لها، يؤكد هذه النبوءات، ويبشر بقرب وقوعها، خاصةً أن المقاومة الفلسطينية باتت ثقافة شعب وسلوك مجتمع، يلجأ إليها الخاصة والعامة، وأبناء الفصائل والتنظيمات، وغيرهم من الشبان بجنسيهم، ممن لا ينتمون لغير فلسطين وطناً، ولا ينتسبون لغير الشعب وصلاً، ويضحون بكل ما يملكون وهم في ميعة الصبا وثورة الشباب، وفاءً لوطنهم وحباً في بلادهم، وإيماناً بأن لهم دور وعليهم واجبٌ في المقاومة ومعركة التحرير.

 

يبدو أن الأمور آخذةٌ في التفلت من بين أيدي المسؤولين الإسرائيليين، أمنيين وعسكريين وسياسيين، وتقلقهم جدياً وتخيفهم فعلاً، وإن كانوا يخفون شكواهم ويتسترون على أزماتهم، إلا أن الظروف السيئة عندهم وبينهم تزداد خطورةً يوماً بعد آخر، في ظل حكوماتٍ غير مستقرةٍ، وسياسيةٍ غير واضحةٍ، ومتغيراتٍ عالميةٍ كبيرة الأثر وطويلة الأمد، وانشغال الكبار عنهم بما هو أهم وأخطر.

 

فهم باتوا في مواجهة أزمتين وتحدي ثالثٍ أكبر، أما أزمتهم الأولى فتبدو جليةً في تفكك الجبهة الداخلية وضعفها، وفي تراجع الانتماء القومي وانحساره، وغياب القادة التاريخيين والزعماء القوميين، حملة المشروع ورواد الصهيونية التاريخية، وفي حالة اليأس والقنوط والإحساس لدى عامة الشعب وجموع المستوطنين، بدنو الأجل وقرب النهاية، بعد أن انكشف الجيش وتراجعت سطوته، وكسرت ذراعه وبات عاجزاً عن تحقيق نصرٍ أو صد عدوان، ومواجهة التنظيمات وتفكيك قواها وخلاياها المسلحة، مما جعله يبدو وهو الذي كان عماد المشروع الصهيوني، عاجزاً عن حماية الحلم وتحصين المشروع وتأمين الشعب.

 

أما الأزمة الثاني التي لا تقل عن الأولى، بل هي سبب مباشر للأولى، فهي تنامي الروح الوطنية لدى الشعب الفلسطيني كله، وتعاظم الانتماء لفلسطين لدى الأجيال الفلسطينية بكل مراحلها، بمن فيهم الصبية والأطفال، الذين لم يولدوا في فلسطين ولم يعيشوا فيها، وإنما سمعوا عنها وتعلقوا بها، وراهن العدو على نسيانهم وتخليهم، فإذا بهم ومعهم الشعب كله، يعيشون الأمل ويمتلكون اليقين بأن المستقبل لهم، والنصر حليفهم، والعودة موعدهم، والتحرير مكافأة تضحياتهم وخاتمة عطاءاتهم.

 

إلى جانب هاتين الأزمتين اللتين تتعلقان بالإيمان واليقين، وبالعقيدة والانتماء، والتي نتج عن الأولى فرار “اليهود” وتخليهم عن مشروعهم، وضعف الانتماء له والتضحية في سبيله، بينما نتج عن الأخرى عمق الانتماء وصدق العقيدة، وتنافس الفلسطينيين في التضحية والفداء والعمل والعطاء،

 

يبرز التحدي الأكبر والخطر الأشد الذي يتمثل في إرادة المقاومة الفلسطينية وقوتها، وفي اشتعال الأرض وثورتها، وفي العمليات اليومية النوعية، الفردية والمنظمة، التي لا يوقفها قتلٌ واعتقال، ولا تحد منها سياسات حصارٍ وعقابٍ، ولا عمليات ملاحقة وتضييق، ومصادرة وتجفيف، وهو ما لم يكن سابقاً وما لم يعتد عليه العدو يوماً، الأمر الذي أربك حساباته وخلط أوراقه، وجعله يشعر فعلاً بعوارض النهاية ومقدمات السقوط الأخير، الذي يعني من الجانب الآخر، النصر والعودة والتحرير.