معركةُ وحدة الساحات في ميزان الكسب والخسارة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

معركةُ وحدة الساحات في ميزان الكسب والخسارة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تختلف معركة “وحدة الساحات” التي أطلق عليها العدو الصهيوني اسم “الفجر الصادق”، أو “بزوغ الفجر”، عن أي معركةٍ أو حربٍ أخرى شنها على قطاع غزة وقوى المقاومة الفلسطينية، فهي الحرب الأقصر زمنياً، إذ استغرق العدوان قرابة خمسة وخمسين ساعة لا أكثر، واستهدف العدو فئةً فلسطينية واحدةً، إذ قصر عدوانه على حركة الجهاد الإسلامي، واستهدف قيادته العسكرية ومنصاته الصاروخية، وخرج المدنيون الفلسطينيون “نسبياً” من دائرة الاستهداف، إذ لم يتعرضوا لغاراتٍ عنيفةٍ شاملةٍ كتلك التي اعتادوا عليها في الحروب السابقة، ولم تستهدف المباني السكنية والأبراج العالية، رغم أن العدو لاحق الشهيد خالد منصور داخل التجمعات السكنية المكتظة بالمدنيين.

بعد أن انتهت معركة “وحدة الساحات” وانطفأت محركات الطائرات المغيرة، وتوقفت أعمال القصف والتدمير، وجرائم القتل والاغتيال، وانتهت حالة الاستنفار العامة على جانبي السلك الزائل، وانكشف غبار المعركة عن نتائج متباينة، وأعدادٍ واحصائيات مختلفةٍ، أصبح من الممكن للمراقبين والمحللين، وأصحاب الشأن والمسؤولين، أن يحللوا الأحداث كلها بقلبٍ باردٍ وذهنٍ صافٍ، بعيداً عن ضغط العدوان وأصوات الغارات، وأعداد الشهداء والجرحى والمصابين، في ظل أجواءٍ من الأمن النسبي والاطمئنان الحذر.

رغم أنه من الصعب جداً في مقالٍ واحدٍ قصيرٍ، وقراءةٍ أحاديةٍ قاصرةٍ، وفي ظل غياب المعلومات الدقيقة والشفافية المطلوبة، إجراء مراجعة نقدية علمية جادة ومسؤولة تطال مختلف جوانب العدوان، وتحيط شمولاً بآثاره النفسية ونتائجه المادية، وتداعياته الاقتصادية وانعكاساته على المقاومة العسكرية، وعلى البنية الوطنية الداخلية، وما أحدثته من تصدعاتٍ وشروخٍ لا يمكننا إهمالها أو التقليل منها، رغم محاولات ترميمها وتجاوزها، والإفادة منها ومحاولة تجنبها.

إلا أنني سأحاول في ست نقاطٍ لا أكثر، وكلماتٍ محدودةٍ معدودةٍ، افترضها كعناوين ومفاتيح بحثٍ، واستنتاجاتٍ وقراءاتٍ سريعةٍ، أن أضع تقديراً عاماً لنتائج المعركة، علماً أن كل عنوانٍ مما سأذكر ليس مطلقاً ولا مغلقاً، ويلزمه حوار وإعادة دراسةٍ وتقييم، وقد يكون محل خلافٍ وموضع انتقادٍ، إذ قد لا يقبل بما خلصت به الجميع، خاصةَ من الحزبيين الموالين، المتعصبين للتنظيم والمخلصين للانتماء، ممن يرفضون المعارضة ويرهبون النقد، ويرون فعلهم هو الأصوب وقرارهم هو الأدق والأكثر حكمةً ومنطقيةً، إلا أنني أرى أن ذلك تعصب أعمى وتبعية تضر ولا تنفع، فالحق أولى بالاتباع أياً كان قائله، والصواب أجدر بالتبني أياً كان مصدره.

أرى أن حركة الجهاد الإسلامي قد كسبت، وأن حركة حماس قد تضررت وتأذت، وأن المقاومة قد استعلت واطمأنت، وتعززت وتعمقت، وأن العدو بشخص رئيس حكومته يائير لابيد قد كسب نسبياً، وأن مستوطنيه قد قلقوا كثيراً، وأن جمهور المقاومة وحلفاءها قد صدموا وحزنوا، وقلقوا وخافوا، وأن الشعب قد نجا وتجنب الدمار الذي اعتاد عليه وكان يتوقعه ويتحسب منه.

لا أريد هنا الخوض في نقاش وتحليل العناوين الستة التي ذكرتها أعلاه، علماً أنني أظلم البحث العلمي باختصارها المخل، وتقييدها المستفز، لكنني أرى أنها خلاصة التقييم وقراءة النتائج، وهي شاملة رغم اختصارها، ودقيقة رغم عمومها، ولعلني أستطيع إعادة طرحها مفصلة، وبيان وجهة نظري في كل منها، وتعزيزها بما لدي من معلومات وآراء، مع التأكيد أنني لا أتمسك برأيي إن وجدت ما يفنده، ولا أصر على موقفي إن رأيت أن غيره أصوب منه وأدق.

ستبقى هذه المعركة مختلفة عن سابقاتها، وإن كان قد جرى مثلها في العام 2019، إثر جريمة اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا، إلا أنها تتميز عنها وتختلف، وتفرض نفسها كحالة جديدة وتجربة فريدة، تفرض على جميع الفرقاء التوقف عندها طويلاً، والاستفادة منها للبناء على ايجابياتها وتجنب سلبياتها.

وهي بلا شك قد أوجعت العدو وأقلقته، وستدفعه يقيناً إلى مراجعة حساباته وتغيير مخططاته، وربما التخلي عن الكثير من أحلامه، علماً أننا نحن الفلسطينيين قد بتنا بعد هذه المعركة وقبلها، نراكم القوة، ونزداد خبرة، ونجدد أسلحتنا، ونشحذ هممنا، ونؤمن بعزمنا، ونثق بقدراتنا، ونعتقد أن نصر الله عز وجل قادمٌ، وأن وعده لنا آتٍ، ولا محالة أنه سيتحقق وهذه بوادره، وأن الكيان الغاصب سيتفكك ويزول وهذه دلائله.