العرب أكثر عدداً من أن يتحدوا… وأشدّ اختلافاً من أن يتفقوا!

العرب أكثر عدداً من أن يتحدوا… وأشدّ اختلافاً من أن يتفقوا!

العرب أكثر عدداً من أن يتحدوا… وأشدّ اختلافاً من أن يتفقوا!

رائد الاعمال المفكر العربي حسن اسميك …

حتى وقت قريب كنت أعتقد بما يقارب اليقين أن فكرة “الوحدة العربية” التي سيطرت على عقول أجيال عديدة منذ خمسينات القرن الماضي وستيناته، قد انتهت تماماً وصارت في طيّ النسيان. لكنني عُدتُ لأجدها أخيراً عميقة ومتجذرة لدى كثيرين وكأنهم لا يزالون يعيشون فوق السحاب، بعيدين كل البعد من الواقع الموجود على الأرض، عربياً ودولياً. يدافعون عن فكرتهم بحجج ضعيفة وواهية، وأمضى ما يستخدمونه هو سلاح التخوين نفسه الذي لطالما استُخدم في الماضي، ضد كل من اختار تغليب المنطق أخيراً، والقول بأن تلك الفكرة التي أعادت الحركات القومية إنتاجها وصوغها وتنميقها وتلميعها، قد أضاعت حاضر أجيال عربية برمّتها ومستقبلها بطرح ماضويّ لا عقلاني – ومُتخيَّل أيضاً – يقول بأن العرب كانوا موحَّدين يوماً أو أنّ هذا قدرهم وطريق خلاصهم الوحيد!

ربما يعود ذلك إلى طريقة التفكير السائدة في مجتمعاتنا عموماً، التي تقوم على التمسك بالأوهام هرباً من الواقع، أو اتّباع بعض القادة والسياسيين دونما تفكير، وتأليه بعضهم لا لما حققوه بل لأنهم استغلوا مراحل مصيرية من تاريخ الشعوب وأطلقوا شعارات رنانة صنعوا منها أوتاراً يعزفون عليها في كل مناسبة تطرب آذان الضائعين والباحثين عن الخلاص من مشاكلهم. هذا بالضبط ما فعله القوميون مع الفكرة القائلة بإمكان – بل وبوجوب – تحقيق “الوحدة العربية”.

أكاد الآن أرى وجوه بعض القرّاء المستهجنة لكلامي، لا سيما ممن تغلب العاطفة على تفكيرهم. والحق يقال إنني ألتمس العذر لبعضهم، فليس من السهل الخروج من إطار فكري راسخ كالذي بناه العروبيون، لكنني أدعوهم دعوة صادقة إلى تحكيم العقل والمنطق قبل الرفض والاستنكار، وأبدأ من أسئلة بسيطة وبديهية: متى كان العرب موحدين في دولة واحدة وتحت راية نظام واحد؟ ألم تثبت كل محاولة للوحدة – حتى الجزئية منها – عبر تاريخنا فشلها ونتائجها الكارثية، ألم يحن وقت البحث عن حلول بديلة ممكنة وواقعية وفعالة بدل الركض وراء سراب مستحيل؟

كان الإيمان بالوحدة العربية في مرحلة ما بعد استقلال البلاد العربية واجباً أيديولوجياً على كل مثقف، وإلا فإنه سيوسم بالخيانة أو التآمر مع المستعمر الغربي أو التنكر لشعبه. بالتأكيد لم يكن الغرب ليحبذّ فكرة اتحاد الدول العربية كلّها أو بعضها، لكنّ ذلك قطعاً لم يكن السبب الوحيد ولا الأساسي لاستحالة تحقيق شيء كالوحدة العربية، ولو كان هو الأساس لكانت الوحدة قامت في مرحلة ما، لكنّ العامل الحاسم في هذه القضية هو الاختلافات الجوهرية بين الشعوب المعنية بتلك الوحدة، أو بمعنى آخر الفوارق التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية أيضاً، الذاتية والموضوعية، التي لم ولن يكون من الممكن تجاوزها أو القفز فوقها، وليس علينا أن نفعل ذلك بأي حال.

مقومات الوحدة العربية؟

انطلقت فكرة القومية العربية بداية رداً على الاحتلال العثماني الذي عانى منه العرب كثيراً. وما يتجاهله كثيرون هو أن فكرة القومية بتلك الطريقة كانت قد استُوردت من أوروبا ونظرياتها حول الأمة، وعندما بدأت محاولة تطبيقها على الشعوب العربية بتجاهل تام للاختلافات الكثيرة بين التجربتين، وحتى التسلسل التاريخي الذي ساق أوروبا وصولاً إلى تلك النقطة، بدأنا ببناء قلعة على الرمال.

ومن القومية العربية التي لقيت رواجاً شعبياً عربياً واسعاً انبثق حلم “الوحدة العربية” كتجسيد لتلك القومية. جرى تصوير ذلك الحلم وكأنه حتمية تاريخية، بالاستناد إلى مجموعة من المقومات التي قُدّمت كعناوين عريضة تُرددها الحركات القومية مراراً من دون السماح بالتعمق في مضمونها أو قياس صحتها ومدى قابليتها للتطبيق الفعلي.

فحين يقال “لغة مشتركة”، والمقصود بها العربية طبعاً، يبدو كأن جميع مواطني الدول العربية من المشرق إلى المغرب يتكلمون العربية ويفهمونها، وهذا غير صحيح إلى حد بعيد؛ وعند الحديث عن أن “التضاريس الجغرافية” تثبت وحدة الأراضي العربية، يبدو الحديث وكأنه مأخوذ من زمن ما قبل وسائل النقل الحديثة؛ ثم “التاريخ المشترك”، وللأسف يتم هنا اختزال تاريخ كل دولة من الدول العربية إلى مرحلة الاستعمار فقط، لأنها تشترك به، لكن هذا ليس فيه ميزة فهناك دول كثيرة في الشرق والغرب تم احتلالها في مرحلة ما من تاريخها ثم استقلت بنضال شعوبها.. ماذا أيضاً؟ “العادات والتقاليد والتراث”؟ كلّها مختلفة ولكل منطقة ثقافتها المميزة وتراثها الذي تفخر به، والذي قد يختلف عن منطقة لا تبعد منها سوى كيلومترات قليلة. أما في ما يتعلق بـ”المصالح المشتركة” فهي لا تتمايز عن أي مصالح مشتركة بين دول متجاورة في أي بقعة من الأرض.

نستطيع تفنيد تلك “المقومات” إلى ما لانهاية، وما أحاول قوله هنا إنّها جميعاً بقليل من التدقيق تُسقط السردية التي عاشت عليها شعوب وأجيال وأنستها كيف تحقق تنمية حقيقية أو تبني مستقبلاً آمناً.

إذ إنه تحت ذريعة النضال من أجل الوحدة العربية، نُهبت مقدرات الشعوب وثرواتها من أجل بناء جيوش وتسليحها فقط، وقُمعت أجيال ومُنعت من التفكير. فقد كان المطلوب من مواطني الدول التي حكمتها الحركات القومية بزعمائها “المؤلّهين” أن يرددوا تلك الشعارات ويؤمنوا بها من دون تفكير. فقد علم أولئك الزعماء – إن لم نقل كل قيادات تلك الحركات – أن التفكير والبحث في صلاحية تلك المقومات سيشكلان تهديداً لنفوذهم ومصالحهم الخاصة، من حيث إنهما سيثبتان نفاقهم وكذبهم على شعوبهم طوال عقود، واستغلالهم مشاعر الناس ورغبتهم الطبيعية في التحرر والاستقلال وبناء المستقبل، لجرّهم نحو وهم جميل لم يكن أكثر من قيد كبَّلنا سنوات طويلة.

لكن، وكما هي الحال دائماً، سيفرض الواقع في النهاية نفسه. وما الهزائم المتلاحقة والمحاولات الوحدوية الفاشلة إلا دليلاً دامغاً على ذلك، وفي مقدمتها الوحدة بين سوريا ومصر 1958، والتي أظهرت استحالة توحيد دولتين بقيادتين مختلفتين من دون أن تسعى إحداهما لابتلاع الأخرى كما فعل عبد الناصر حينها. أو فشل محاولة الوحدة بين سوريا والعراق رغم أن الحزب نفسه كان يحكم البلدين وهما متجاوران جغرافياً. إن لفشل هذه الوحدة تحديداً بعداً كاشفاً، إذ أظهرت ضعف الأساسات التي ادعى القوميون في ذلك الوقت أنها قادرة على صنع معجزة الوحدة، وكانت إنذاراً مبكراً لو أعير الانتباه اللازم لما اعتُمدت استراتيجية “القائد الضرورة” التي أودت بدول قوية كالعراق، وقادته نحو سنوات طويلة من الحروب والخراب، وبعيداً – بطبيعة الحال – من أي وحدة مع دول عربية أخرى!

إنَّ الشعارات الوحدوية ومظهر “القائد القومي البطل”، مكنت صدام حسين من حكم العراق بدكتاتورية بدأت بسنِّ قوانين تحرم الانتماء إلى أي حزب غير حزب البعث الحاكم، وتقييد الحريات بحملات اعتقال مستمرة وواسعة، ومن ثم توريط البلاد في حرب امتدت ثماني سنوات مع إيران، بقرار شخصي أودى بحياة الملايين وأنهك العراق عقوداً طويلة بديون قُدّرت بمليارات. وحين لم يجد “القائد” طريقة لتسديد ديون مغامرته تلك، قام بشنِّ حرب أخرى على دولة عربية مجاورة (من أكثر الدول التي كان مديناً لها). فقدم على طبق من فضة المبررات للتدخلات الخارجية التي سيدفع الشعب العراقي ثمنها الباهظ لاحقاً. أما على المستوى الداخلي فلم تكن سياسات صدام سوى سبب لتهجير العقول التي يزخر بها العراق وتردي أوضاع شعبه وتعميق الخلاف المذهبي بين أبنائه.

كلّ تلك المصائب حصلت تحت مظلة أيديولوجيا القومية العربية وأحلامها الوردية. هذه المصائب التي يتناساها كثيرون اليوم وهم يتمنون عودة صدام لاعتقادهم بأنه سينقذ غزة مما هي فيه مثلاً! لو كان قادراً على ذلك فعلاً فلماذا لم “يحرر ويوحد” حين كان بإمكانه ذلك، وفضَّل توجيه سلاحه نحو إخوته وشعبه.. سؤال لا أعتقد أنّهم يملكون جواباً له.

الانتماء الوطني خيانة!

من ناحية أخرى، إنّ التخلف العلمي والاقتصادي المتراكم الذي رزحت تحته الشعوب العربية في الوقت الذي عاش فيه العالم مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ثورة تكنولوجية متسارعة، جعل تلك الشعوب تصحو متأخرة على السراب الذي جعلتها الأنظمة تعيشه طوال عقود. فلا فلسطين تحررت ولا بلاد عُمّرت، وبدل من أنّ تتحقق “الوحدة العربية” تضاعفت الانقسامات العربية على جميع المستويات، وتجزأت دول كانت من قبل موحدة كاليمن والسودان.

أحد أهم الأخطاء التي ارتكبها القوميون هي صنع الفجوة وتعميقها بين الانتماء الوطني والقومي، فدخلوا في صراع مع الأنظمة السياسية العربية القائمة وحرضوا شعوبها ضدها. هذا الخطأ لعب دوراً حاسماً في هزيمة القوميين. وتتفق المصادر على أن هزيمة 1967 كانت تتويجاً لهذا النهج العدائي للأنظمة غير القومية وتخوينها في كل مناسبة من قبل العروبيين.

وهكذا صار كل من يعلي من شأن الانتماء الوطني هو بالضرورة معادٍ للانتماء القومي ومتنكر له، ولم ينتبه كثيرون إلى أنّ تعزيز الانتماء الوطني وبناء دول مستقلة قوية اقتصادياً وسياسياً كان سيشكل عاملاً حاسماً يدعم القضايا العربية، وليس أدلّ إلى ذلك ما نشهده اليوم سياسياً على وجه الخصوص، فالدول العربية التي ركزت على بناء اقتصادها وتنمية مجتمعاتها، صارت هي الأقدر على الدفاع عن العرب وحماية مصالحهم، وهي من يحسب لها حساب في التعاطي العالمي مع قضايا منطقة الشرق الأوسط برمّته.

هذا التركيز على شعار الوحدة العربية الذي تعمدته بعض الأنظمة السياسية، ساهم في تهميش الوحدة الوطنية. وكما نرى اليوم فإن دولاً عربية كثيرة ممن حملت لواء ذلك الوهم سنوات طويلة، تعاني تفككاً داخلياً وتهديداً لوحدتها الوطنية يظهر كل فترة في اقتتال هنا وانقسام هناك على أرضها. ولو أن تلك الأنظمة الحاكمة حينها أولت وحدتها الوطنية الداخلية الأهمية اللازمة ودعمتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكان حال كثير من دولنا الآن مختلفاً اختلافاً جذرياً عن الصورة المأسوية التي نراها، ولكانت تلك الدول تحالفت سياسياً واقتصادياً من منطلق القوة والقدرة، لا الضعف والوهم بأن الاتحاد مع دول أخرى مختلفة هو ما سيجعلها قوية، ففقدت بذلك حاضرها ومستقبلها.

وجهة نظر مغايرة..

قرأت مرة مقالة يتم فيها الاستشهاد بكلام لـ”عميد المكتبيين العرب” المفكر محمود الشنيطي، وهو من رواد الحركة الوطنية، يقول فيه إنّ التيارات الاستعمارية هي من كانت وراء الدعوة إلى الوحدة العربية في الأساس، وإنها لم تكن سوى شعار يعبّر عن خطة قصدت بها القوى السائدة آنذاك (بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية) مقاومة الألمان الذين كانوا يسعون إلى النفوذ في الشرق الأوسط قبيل الحرب العالمية الأولى. فيما لم يفت تلك القوى في الوقت نفسه أن تزرع بذور تصدع تلك الفكرة بإثارة النزاعات العنصرية بمختلف أشكالها في سوريا ولبنان والحجاز، وهو ما تجلى واضحاً في سلوكها بعد الحرب وانزياح الخطر الألماني المدعوم تركياً. ويذهب الشنيطي أبعد من ذلك حين يرى أن جامعة الدول العربية نفسها لم تكن أكثر من أداة استعمارية جديدة.

يرى الشنيطي أن الوحدة العربية كلمة معسولة يطيب للآذان سماعها، وهو الذي عاصر تلك المرحلة، وكتب هذا الكلام عام 1946، أي قبل أن يرى ما ابتليت به منطقتنا لاحقاً. ربما لا أتفق مع كل أفكاره، لكن “الوحدة العربية” تتربع فعلاً على عرش “المعسولات” التي نركن إليها كشعوب، ونبرر بها تأخرنا وضعفنا وعجزنا.

مستقبل الوحدة العربية..

إنّ شكل العالم اليوم كفيل من دون شك بإنهاء أي جدل حول إمكان تحقيق الوحدة العربية، فكلّ الركائز الفكرية والسياسية التي سيقت في سبيل الترويج لفكرة الوحدة لم تعد موجودة، ولم يعد هذا الطرح إلا نكتة بالنسبة إلى أبناء الجيل الجديد، وهذا منطقي جداً. رغم ذلك لا يزال هناك من ينتظر “توازناً دولياً ما” يفضي إلى حصول وحدة عربية، فيما يعتقد آخرون أن تحقيق الوحدة العربية هو الذي سيفرض توازناً دولياً جديداً ويقلب المعادلات عالمياً. في الحقيقة إنّ وجهتي النظر هاتين لا تختلفان كثيراً عن نظريات الحركات القومية القديمة، وهي انعكاس لها بصورة أو أخرى. فأي توازن دولي مستقبلي في ظل التغييرات التي شهدها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية وحدها، لن يدعم بأي حال وحدة العرب بتلك الصيغة المهترئة. وقيام الوحدة مسبقاً كما كان في الماضي يفتقد مقومات النجاح وأسسه، فإنه اليوم أكثر بعداً منها بالتأكيد.

حين يصاب الإنسان بمرض ما ويجرب علاجاً فلا يبرأ من مرضه، من المنطقي حينها تجريب نوع آخر من الدواء بدل الاستمرار في ما لا ينفع بل قد يكون ضاراً أيضاً. من هنا أعتقد أنه صار لزاماً علينا كعرب الالتفات جدياً إلى طريقة أفضل في حلّ مشاكلنا، طريقة غير مبنية على الأساطير والأحلام، بل تستند إلى الواقع الحالي وتنطلق منه. فلا نرفض تجارب الآخرين في هذا السياق لكن نحاول الاستفادة منها إلى أقصى حد، وقد أثبت التعاون الاقتصادي والتكتلات الدولية التي قامت على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة (ومنها الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي) أنها أسلوب جيد يحافظ على سيادة الدول وتمايز شعوبها وثقافاتها ويصون خياراتها الوطنية، وفي الوقت نفسه يدعم أمن شعوبها البيني وتنميتها ونماءها على مستويات كثيرة قابلة للازدياد، وأعتقد – ويشاركني كثيرون اعتقادي – بأنّ هذا هو ما نحتاج إليه عربياً.

أما الحل، أو السبيل للوصول إلى امتلاك القدرة على تشكيل تلك التحالفات، فهو يبدأ من داخل كل مجتمع في كل دولة على حدة، إذ يجب تسخير كل وسيلة ممكنة لبناء هذه المجتمعات على أسس قوية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً. وبعدها فقط تكون لدى الدولة – على اعتبار أنها الممثل الوحيد للمصلحة المشتركة العليا للشعب – القوة اللازمة لتدخل في تحالفات وتكتلات داعمة سياسياً واقتصادياً، على أساس تلك المصالح، وليس على أساس أيديولوجيا ما أياً كان شكلها، وفي هذا فارق كبير، فكلُّ تعاون على أساس مصلحة الدولة والشعب كفيل بالاستمرار والتجدد، بينما لا يؤدي التحالف القائم على أيديولوجيا، وعلى مصالح ومطامع أشخاص، إلا إلى العنصرية والانقسام ونشوء الدكتاتوريات، وإلى دمار حاضر الشعوب المتنوعة فكرياً ودينياً واجتماعياً ومستقبلها، بدل استغلال هذا التنوع في بناء الدول وترسيخ قوتها.

والوحدة العربية ليست إلا أيديولوجيا، ولم تكن يوماً خطة مدروسة بعناية وموضوعة على أسس عقلانية، لقد كانت فورة حماسة عربية، جُرِّبت مراراً وأفضت إلى نتائج كارثية في كل مرة، بصورة تعكس واقع الفوضوية العربية الغالبة في التعاطي مع مختلف القضايا.

ومرة أخرى وعاشرة، قد آن أوان العمل على إقامة أنظمة داخلية تكفل الحريات والحقوق وتدعم التنمية، تساير العصر وتكف عن تصويرنا كمحور للكون! فنحن لسنا إلا جزءاً من هذ العالم الذي يسير بسرعة مبتعداً، وإذا رغبنا في اللحاق به علينا قبل كل شيء أن نتعلم فضيلة العقلنة ومنطقة الأمور لإيجاد الحلول، والتسليم بأن العرب هم بالفعل أكثر عدداً من أن يتحدوا وأشدّ اختلافاً من أن يتفقوا، إلا حين يقوم الاتفاق على احترام الخصوصيات والاختلافات كلّها والاستفادة منها بدل إلغائها.

عن عين الاردن