خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نعمل لنحظى بالذي حظي به المؤمنون في أيام رسول الله(ص) الذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى، عندما قال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً}…
قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، يكفينا أن الله معنا، وهو نعم السند ونعم الظهير، فكانت النتيجة {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.
أيُّها الأحبّة: إننا أمام التحديات التي تواجهنا والظروف الصعبة التي تتحدانا، وحتى لا ننهزم نحن أحوج ما نكون أن نستحضر هذه الكلمات، بأن نقول: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، وأن نقول ما قاله رسول الله(ص) لصاحبه عندما اقتربت قريش من الغار الذي كان فيه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}، وبذلك نكون أكثر اطمئناناً وسكينة وأقوى وأقدر على مواجهة التحديات.
والبداية من الصدمة الكبيرة التي أحدثتها العملية البطولية والجريئة التي قامت بها المقاومة في فلسطين داخل كيان العدو الصهيوني وفي عمق مستوطناته، وأشعرته بالهزيمة التي كان دائماً يعمل أن تكون في ساحة الآخرين وتهاوت معها مجدداً الصورة التي لطالما سوق لها بأنه جيش لا يقهر وأنه الأقوى في المنطقة ويعتمد عليه.
لقد جاءت هذه العملية لتشكل بنتائجها ورغم التضحيات التي حصلت خلالها أو جاءت بعدها منعطفاً أساسياً في تاريخ الصراع مع هذا الكيان الاستيطاني، والذي سيترك بصماته على مستقبل هذا الصراع وستحفر في ذاكرته وتجعله يعي مجدداً أن التحصينات والأسوار الحديدية والأسمنتية التي يلف بها كيانه ويحيط نفسه بها، لن تحميه إن بقي الشعب الفلسطيني على معاناته.
إننا نرى أن ما جرى يأتي ضمن سياق المسار الجهادي والنضالي المجيد الذي اختطه الشعب الفلسطيني لنفسه ورأى فيه الخيار الوحيد الذي يحقق أمانيه بامتلاك حريته ويرفع نير الاحتلال عنه، وأنه لن يتحقق بالتسويات ولا بالوعود والأماني، ما أثبتته وقائع التسويات التي عمل عليها، رغم وعيه الكامل لحجم التبعات والخسائر التي سيواجهها في سلوكه لهذا الطريق، مع عدو يمتلك أحدث الأسلحة الفتاكة والتغطية السياسية الدولية والقدرات الإعلامية والدعائية، وكان واعياً أن الضعيف لن يبقى ضعيفاً إن عرف مكامن قوته ومكامن ضعف عدوه.
إن من المؤسف أن نشهد الصمت العالمي على كل هذه الجرائم التي يرتكبها العدو والإبادة الجماعية التي تحصل لشعب غزة والتي قد تصل إلى التهجير الكامل له من أرضه، بل نجد في هذا العالم من لا يزال بدبر ظهره لمعاناة الشعب الفلسطيني وهو لم يكتفِ بالسكوت بل اعطى الضوء الأخضر لهذا العدو ليزيد من ممارساته الإجرامية ويدعمه بحاملات الطائرات وبالسلاح والذخيرة والعتاد، ويؤمن له الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وهناك من يمنع حتى كلمات التنديد بجرائم العدو…
لذلك نرى ما يجري في غزة هذه الأيام لا يمثل فقط وصمة عار لهذا العدو وحده، بل هي وصمة عار على جبين كل الساكتين على جرائمه ومن يعمل على إسناده، هم شركاء له وموضع إدانة كل أحرار العالم.
إننا أمام ما جرى نجدد اعتزازنا بالمقاومين الأبطال الذين بجهادهم أعادوا إحياء روح هذه الأمة وإشعارها بحضورها وقوتها وعزيمتها، وأن بإمكانها أن تصنع من الضعف قوة، وبالشعب الفلسطيني على صموده وثباته وعدم السماح للعدو الصهيوني أن يدق أسفيناً بينه وبين مجاهديه باستخدامه سياسة التجويع والحصار والتدمير للبيوت…
ونحن في الوقت نفسه نحيي كل الأصوات التي خرجت للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته وتلك التي ستخرج اليوم، والأقلام التي هبّت لتظهر معاناة هذا الشعب والدفاع عن حقوقه في الحرية والعيش الكريم في مواجهة الحملة الإعلامية الظالمة التي تواجهه، فيما كنا نأمل من دول الجامعة العربية التي اجتمعت قبل يومين أن يكون لها موقفها الحاسم في مواجهة ممارسات العدو الصهيوني، وأن توحد صفوفها للعمل بكل جدية لإيقاف هذا النزيف ولرفع الحصار عن غزة وكسره بكل الأساليب وهي تستطيع ذلك إن أرادت، وأن تعي أن السكوت عن جرائم العدو سوف يجعله يتمادى أكثر وسوف لن يوفر أي بلد عربي.. وهنا نستغرب عدم اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لأخذ موقف من هذا العدو رغم أن المعركة كان هدفها الأساسي هو الأقصى والانتصار له.
ونحذر هنا من التداعيات التي قد يؤدي إليها استمرار هذا العدوان بالمجازر التي تستهدف الحجر والبشر والتي قد لا تبقى في الحدود التي هي فيها الآن.
إننا فنريد لهذا اليوم يوم الجمعة، يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ليشعر الشعب الفلسطيني أنه ليس وحيداً في صموده وثباته أمام معاناته…
ونصل إلى لبنان الذي لا يمكن إلا أن يقف مع الشعب الفلسطيني في مواجهته لهذا الكيان لكونه يراه عدواً مشتركاً لطالما عانى الشعب اللبناني ولا يزال يعاني منه، ونحن نشهد ذلك في هذه الأيام من خلال اعتداءاته التي استهدفت القرى الآمنة المحاذية للشريط الحدودي، بذريعة استهداف بعض فصائل المقاومة الفلسطينية له.
إننا في الوقت الذي ندعو إلى الجهوزية والاستعداد لمواجهة هذا العدو، ننبه لأن لا نخضع للحرب النفسية التي يقوم بها العدو والتي يريد منها بث الرعب في نفوس اللبنانيين وخلق مناخ للتوتر فيما بينهم والتي يساهم الإعلام فيها، في الوقت الذي لا بد أن نثق بالحكمة التي تتصف بها المقاومة حتى في ردها على الاعتداءات التي تعرضت لها أو تلك التي تتعرض لها المناطق الحدودية وبكل عناصر القوة التي يمتلكها لبنان والتي تجعل العدو الصهيوني يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أية مغامرة أو اعتداء على هذا البلد.
إننا نشدد على الجميع في لبنان أن يعملوا للوحدة الداخلية، وأن يظهروا للعدو أنهم كتلة واحدة في مواجهته حتى وإن اختلفوا في الملفات الداخلية، فهذا الوقت ليس وقت رمي لكرة الاتهامات أو الملفات الداخلية أو الخارجية من هذا الفريق أو ذاك وبالعكس، بل وقت التحصّن تحت سقف الوحدة الوطنية التي لطالما استطاعت أن تحمي لبنان وتسقط أهداف العدو، مما يدعو إلى الإسراع بالعمل على ملء الشغور على مستوى الرئاسة، لتحصين هذا البلد من الداخل أمام التحديات التي تواجهه إن على صعيد الداخل أو مما يجري في فلسطين والذي لن يأتي إلا بالتواصل والحوار الداخلي والتعاون بين جميع القوى.