خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة رسول الله(ص)، حين جاء إليه رجل، وقال له يا رسول الله أوصني؟ فقال له رسول الله(ص): “فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك حتى قال له ذلك ثلاثاً وفي كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول الله… فقال له(ص): أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيا فانته عنه”.

أيُّها الأحبّة: إنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصية، أن تكون حاضرة قبل كل كلمة نطلقها أو موقف أو قرار نتخذه يتعلق بحياتنا أو بحياة الآخرين، فلا نقدم على إطلاق كلمة أو اتخاذ موقف إلا بعد أن ندرس تبعاته ونتائجه سواء أكان يتعلق بمعاملة أو عمل أو مشاركة للآخرين أو زواج أو انتماء لجهة أو تأييد أو رفض أو الدخول في سلم أو حرب، أن ندرس تداعياته على صعيد الدنيا وعلى صعيد الآخرة، فنقدم عليه إن كان رشداً وننته عنه إن كان غياً وضلالاً ولا يؤدي لخير.

ومتى حصل ذلك سنكون أكثر حكمة ووعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحدّيات…

والبداية من الحراك الذي بدأه الموفد الفرنسي وأراد منه تحفيز القوى السياسية على الحوار الداخلي، والتشديد على أن لا بديل لهم عنه للوصول إلى الاستحقاق الرئاسي.

لكن مع الأسف، لا يزال هناك في هذا البلد من يرفض هذا الحوار ويثير علامات استفهام حوله من دون أن يقدم بديلاً منه أو تصوراً يخرج الوطن من حال المراوحة القاتلة التي يعيشها، ما قد يجعله رهينة الانتظار الذي يخشى أن يطول في ظل تعقيدات الداخل وعدم نضوج الحل في الخارج والذي لا يزال يتعامل مع لبنان كجزء من ملفات المنطقة إيجاباً أو سلباً…

إننا سنبقى نأمل من كل القوى السياسية الرافضة للحوار أن يكونوا أكثر وعياً للمخاطر التي قد يؤدي إليها عدم الاستجابة له والتداعيات التي قد تحصل منه على الصعيد الاقتصادي والأمني، وسيزيد من الانهيار ومفاقمة معاناة اللبنانيين، وأن أي رهان غيره هو رهان خاسر… فهذا البلد بني بالتوافق ويستمر باستمراره، ونحن في الوقت نفسه ندعو من يريد الحوار ويسعى إليه إلى العمل لإزالة الهواجس والمخاوف التي تعتري الرافضون له.

ونعود إلى معاناة اللبنانيين المستمرة التي كنا أشرنا سابقاً أنها لم تعد تقتصر على هذا الحد من الهم الغذائي والتعليمي وسبل الحصول على الدواء والاستشفاء والكهرباء والماء، بل هي ستتفاقم إن تم إقرار الزيادات التي أوردتها الحكومة في الموازنة والتي كانت الأولوية فيها لزيادة موارد الدولة وتعزيزها من جيوب المواطنين من دون أن تأخذ في الاعتبار تبعاتها عليهم، بدل أن تبحث عن موارد لها من خلال حسن استثمار مقدراتها أو إصلاحات تجريها تعيد إلى الخزينة الأموال المنهوبة أو المهربة وتوقف الفساد والهدر.

وهنا ندعو المجلس النيابي إلى أن يقوم بالدور المطلوب منه، وأن يكون معبراً حقيقياً عن آلام اللبنانيين ومعاناتهم لا أن يقر زيادة الضرائب عليهم…

 

ونصل إلى أزمة النازحين السوريين التي بات الجميع يتحدث عن خطورتها وأنها أزمة وجودية للبنانيين واستقرارهم وأمنهم، ولكن من دون أن يسارعوا لمعالجتها، وعلى الأقل للحد منها والذي لن يحصل إن لم تتم المبادرة الجادة إلى التنسيق مع الحكومة السورية حول قضية النزوح واتخاذ المواقف التي تسهم في تعديل مواقف الجهات الدولية التي تتولى أمر النازحين، واتخاذ الإجراءات اللازمة على معابر التهريب..

وهنا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى عدم تأمين النصاب الكافي لاجتماع الحكومة لدراسة النزوح وتحويلها إلى جلسة تشاورية… وهل هذا يعني أن لا نية جدية لديها للمعالجة، أو أنها ترى الأفق مسدوداً بفعل عوامل إقليمية ودولية.

أما على الصعيد الأمني، حيث الجرح النازف في مخيم عين الحلوة، والذي خلف في الأيام الماضية وراءه دماراً وضحايا داخل المخيم وشل مدينة صيدا وجوارها والطريق المؤدي للجنوب اللبناني.

ونحن على هذا الصعيد، ننوه بكل الجهود التي بذلت لإيقاف النزف وآخرها من رئيس المجلس النيابي، ونأمل أن تستمر هذه الجهود لتثبيت وقف إطلاق النار وعدم العودة إلى الاشتباكات، منعاً للعابثين بأمن المخيم والخلفيات التي تقف وراءهم حرصاً على حياة الشعب الفلسطيني في المخيم وأمنه، ومستقبل قضيته وعلى علاقته بجواره…

ونتوقف عند الفوضى التي نشهدها على صعيد حركة الدراجات النارية، والتي باتت بأعداد كبيرة فرضها الوضع الاجتماعي الصعب وارتفاع أسعار المحروقات وكلفة النقل، مما أخذ يتسبب بأضرار على حركة السيارات أو المارة أو على من يقودونها أو من معهم.

وهنا ندعو من يقود هذه الدراجات إلى التقيد بأنظمة السير والأخذ بإجراءات الأمان وعدم تجاوزها، واعتبار ذلك واجباً شرعياً، فمن الواجب التقيد بأنظمة السير وسبل الأمان.. في الوقت الذي ندعو القوى الأمنية والبلديات إلى التشدد في الإجراءات العقابية التي تضمن تقيد السائقين بها…

ونصل إلى اليمن لننوه بالمباحثات التي ستجري بين أنصار الله والمملكة العربية السعودية وبرعاية عمانية، والتي ندعو إلى أن تكلل بالنجاح لإيقاف النزيف المستمر مند تسع سنوات لعودة السلام والأمان إلى هذا البلد وضمان استقراره وعودته للقيام بالدور المطلوب منه على الصعيد العربي والإسلامي.

وأخيراً إننا أمام هذه الكارثة التي حلّت بالشعبين الليبي والمغربي، نتيجة الزلزال المدمر الذي حصل في المغرب، والإعصار والفيضانات في ليبيا، والتي أودت بآلاف الضحايا وعشرات الآلاف من المشردين والمفقودين، فإننا نجدد وقوفنا مع هذين الشعبين، وندعو إلى مد يد العون لهما للتخفيف من وقع هذه الكارثة، سائلين المولى عز وجل الرحمة بالضحايا والشفاء للجرحى والمصابين والصبر لأهالي الضحايا والمكلومين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *