خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام زين العابدين(ع)، حين قال: “أوصيك بما أوصاني أبي الحسين حين أراد الخروج إلى المعركة يوم العاشر من المحرم: يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله”.

لقد أراد الإمام زين العابدين(ع) من خلال وصيته أن لا يستغل الإنسان قوته وموقعه والصلاحيات التي يملكها لظلم الناس أو عدم إعطائهم حقوقهم، فلا يظلم الرئيس مرؤوسيه ولا المدير موظفيه، ورب العمل عماله والمعلم طلابه والزوج زوجته والزوجة زوجها والأب أولاده، وقد ورد أن أفحش الظلم وأصعبه موقفاً عندما يقف بين يديه يوم يأخذ المظلومون بحقهم من ظالميهم.

بهذه الوصية نعبر عن حبنا وولائنا لهذا الإمام ونكون أكثر عدلاً واستقامة ونكون قادرين على مواجهة التحديات…

والبداية من الحادث الخطير الذي حصل في الكحالة، والذي استعاد معه اللبنانيون مشاهد من صور الحرب الأهلية، وكاد أن يودي بالسلم الأهلي والذي نراه نتيجة طبيعية للخطاب المستفز والموتر وغير العقلاني الذي يستثير الغرائز الطائفية والمذهبية ويخلق الهواجس والمخاوف بين اللبنانيين مما يصدر من مواقع سياسية وإعلامية ودينية، من دون التدبر والأخذ في الاعتبار لعواقبه.

ونحن أمام ما جرى لا بد أن ننوه بالدور الحكيم الذي قام به الجيش اللبناني، والذي أدى إلى وأد الفتنة ومنع تداعياتها الخطيرة، وندعو إلى الإسراع في معالجة جادة للأسباب التي أدت إلى ما جرى منعاً لتكراره، في الوقت الذي نهيب بالجميع إلى التبصر جيداً بعواقب الاستمرار في استهداف فريق من اللبنانيين عانى وتألم وقدم ولا يزال يقدم التضحيات الجسام لأجل سلامة الوطن وإبقائه حراً عزيزاً، ويعمل كل يوم على منع العدو الصهيوني من استباحة أرضه.

وإذا كان ثمة من له رأي بسلاح المقاومة، فهذا لا يعالج بمثل هذا الخطاب أو بمثل الذي جرى، بل بالحوار الداخلي البنّاء وبالموقف المسؤول الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة هذا البلد وحاجته لقوة رادعة للعدو، وإذا كان من هواجس يثيرها البعض بأن يخرج هذا السلاح عن دوره بحماية الوطن في الداخل فمن خلال هذا الحوار تعالج هذه الهواجس.

إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى الخطاب العقلاني الهادئ، وإلى من يمد الجسور لا من ينسفها، ويقرب القلوب لا من يباعد بينها ويبلسم الجراح لا الذي ينكأها.

إننا نرحب بكل الأصوات والمواقف التي عضت على الجرح وتصرفت بمسؤولية وحكمة وبحس وطني بعيداً من منطق الشعبوية والمزايدات والاستثمار السياسي أو غير السياسي.

في هذا الوقت يستمر الجمود على صعيد الاستحقاق الرئاسي من دون أن يبدو في الأفق أي بوادر لحل يفضي لتأمين هذا الاستحقاق بكل التداعيات التي تحصل من ورائه على الواقع الاقتصادي والمعيشي والسياسي والأمني، ويخشى على هذا الصعيد أن يزداد الأمر تعقيداً وصعوبة بفعل التوترات التي بتنا نشهدها على الصعيد الإقليمي والدولي، ما قد يعقد الوصول إلى هذا الاستحقاق والتوافق عليه، ما يدعو مجدداً القوى السياسية إلى أن تقوم بدورها في تحمل المسؤولية وعدم انتظار ما يجري في الخارج، فالبلد لم يعد يتحمل مزيداً من التأخير والمماطلة.

ونحن في هذا المجال، ننوه بأي حوار يجري بين القوى السياسية الفاعلة وندعو إلى استكماله وتعزيزه وتوسعة دائرته ليشمل كل القوى السياسية لكونه هو الطريق الأسلم والأسهل لإنجاز هذا الاستحقاق وإخراج البلد من المأزق الذي هو فيه.

ونبقى على الصعيد المالي، لندعو إلى العمل سريعاً لإيجاد حل يضمن تأمين رواتب موظفي القطاع العام واحتياجات الدولة وعدم الوصول إلى المأزق الذي يخشى منه، ما يتطلب الأخذ بعين الاعتبار الشروط التي صدرت عن المصرف المركزي للاستدانة منه والتي أعلن عنها النائب الأول للحاكم والتي هي تأمين التغطية القانونية من المجلس النيابي للإنفاق من الاحتياط الإلزامي وضمان إرجاع الحكومة لهذه الأموال، وإجراء الإصلاحات التي تضمن تأمين موارد للدولة بكل أجهزتها ما يحفظ أموال المودعين ولا يبدد مقدرات الدولة.

ونبقى على صعيد الداخل، لنشير إلى الحادثة الأخيرة التي وقعت في عين إبل، لنؤكد على ضرورة الإسراع بكشف الغموض الذي يحيط بها.. وهنا ننوه بالأصوات التي لم تسارع إلى الاتهام السياسي الذي اعتدناه في مثل هذه الحوادث، ودعت القضاء إلى التحقيق فيها وفي خلفياتها وأبعادها حتى تأخذ العدالة مجراها.

إننا نثق بالوعي الموجود لدى أهالي هذه المنطقة وحرصهم على استمرار العيش المشترك الذي كان طابع هذه المنطقة حتى في الأيام الحالكة، ما سيفوت الفرصة على كل المصطادين بالماء العكر أو العابثين بأمن هذه المنطقة والذي لا يريدون للعيش المشترك أن يكون طابعها، والتي لن يستفيد منها إلا الكيان الصهيوني.

ونبقى على صعيد الحريق الذي حصل أخيراً في الضاحية الجنوبية والذي أظهر ضعف القدرات والإمكانات لدى الدفاع المدني إن على الصعيد البشري أو على صعيد الإمكانات، وعدم توفر الشروط اللازمة في المستودعات والرقابة عليها، ما يدعو البلديات وكل الجهات المعنية على صعيد الوزارات للعمل لتفادي ما حصل وتأمين المقومات البشرية واللوجستية التي تضمن السرعة في إطفاء أي حريق إن هو حصل، في الوقت الذي ندعو إلى محاسبة المتسببين بما جرى والمقصرين في مسؤولياتهم والتعويض على المتضررين.

ونصل إلى التهديدات الإسرائيلية للبنان والتي جاءت على لسان وزير الدفاع الصهيوني، فإننا نرى في ذلك محاولة منه لإعادة الاعتبار لكيانه بعدما تآكلت قوة الردع لديه ورسالة إلى جمهوره أن هذا الكيان لا يزال في موقع القوة والهيبة، لكننا في الوقت نفسه ندعو إلى أخذ الحيطة والحذر من مغامرة قد يقدم عليها هذا العدو، وذلك بتعزيز عناصر القوة في الداخل بدلاً من التصويب عليها وعن المس بالوحدة الوطنية.