خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالآيات التي أشارت الأحاديث أنها نزلت في الخامس والعشرين من ذي الحجة، وهي قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}…

حيث ورد في أن سبب نزولها أن الحسن والحسين(ع) مرضا، فعادهما رسول الله(ص) في ناس معه، فقالوا لأمير المؤمنين(ع): لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة(ع) وفضة الجارية لهما إن برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا… فكان عليهم أن يفوا بالنذر، فصاموا ثلاثة أيام وفاء للنذر وباتوا في الثلاثة جياعاً لإطعام إفطارهم لفقير جاء إليهم في اليوم الأول وقت إفطارهم، ومسكين في اليوم الثاني وأسير في اليوم الثالث…

فنزلت هذه الآيات على رسول الله(ص) لتشير إلى ما نعموا به من وراء إيثارهم.

إننا أحوج ما نكون أن نستلهم هذه القيمة، قيمة أن نكون عوناً لليتيم والفقير والمسكين وكل من يحتاج لنا وأن نجاهد لبلوغها بأن نؤثر مثل هؤلاء الضعفاء على أنفسنا، وبذلك نعبر عن حبنا وولائنا لأهل البيت(ع) ونحظى بما حظوا، ونبني بذلك مجتمعاً أكثر قوة ومنعة وتماسكاً وقدرة على مواجهة التحديات…

والبداية من أزمة الشغور الرئاسي التي يبدو أن لا خروج منها، في وقت قريب، وذلك لإصرار كل من القوى السياسية على خيارها على شخص الرئيس أو هويته وعدم رغبة أي منها بالتراجع عن الخيار الذي أخذه على الأقل في هذه المرحلة، فيما الخارج الذي ينتظر الكثيرون مبادرة منه تفضي إلى تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية أو استعمال مونته عليهم للتوصل إلى تأمين هذا الاستحقاق، يبدو أنه ليس جاهزاً لذلك، إما لأنه غير قادر لعدم التوافق بين دوله على صيغة حل أو للاستعصاء الداخلي الذي يعرقل الحوار والحل أو ليس بوارد التدخل في هذا الملف لأن لبنان ليس في سلم أولوياته، ولم يحن بعد أوان الحل فيه ما يجعل البلد رهينة الفراغ الذي نخشى أن يمتد إلى وقت طويل…

إن من المؤسف أن نستمع إلى تصريحات ترى أن لا مشكلة في إبقاء الفراغ ولو لسنوات طويلة حتى تصل إلى الرئيس الذي تريده، من دون الأخذ في الاعتبار ما آل إليه البلد من انهيار وما يعانيه اللبنانيون على الصعيد المعيشي والحياتي والذي بات يهدد حياتهم واستقرارهم بعدما وصلت تداعياته إلى المس بمرفقين أساسيين لهما دور على الصعيد الأمني والاستقرار النقدي وهما قيادة الجيش وحاكمية المصرف المركزي، بعدما أصبح واضحاً أن هناك ولاعتبارات طائفية وسياسية معارضة قوية لملء هذا الشغور الذي سيحصل في هذين المرفقين بدون تأمين الاستحقاق على الصعيد الرئاسي وتأليف حكومة مكتملة الصلاحية،.. ما سيترك آثاراً قد تكون كارثية على صعيد الوطن والمواطن.

ونبقى على صعيد الداخل لنحذر من مخاطر القرار الصادر من البرلمان الأوروبي الذي يدعو إلى إبقاء النازحين السوريين في لبنان والذي أراد منه حصر أزمتهم في لبنان وإلقاء العبء عليه منعاً لوصول اللاجئين إليه من دون أن يأخذ في الاعتبار السيادة اللبنانية والتداعيات التي يؤدي إليها هذا القرار والأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عليه، والتي تزيد من مخاوف اللبنانيين وهواجسهم من رغبة دولية بتوطينهم في هذا البلد ما يستدعي موقفاً لبنانياً ضاغطاً على الدول الأوروبية للعودة عن هذا القرار ودعوته للعمل بدلاً من ذلك بتسهيل إعادتهم إلى وطنهم في الوقت الذي ندعو إلى استمرار التواصل مع الدولة السورية لإيجاد حل لهذه القضية ومنع تداعياتها.

ونتوقف عند ما يجري على الحدود اللبنانية الفلسطينية، لندعو اللبنانيين إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه الممارسات العدوانية التي يقوم بها العدو الصهيوني وجعل ذلك هماً وطنياً لكل الحريصين على السيادة اللبنانية، لا سيما بعد احتلاله القسم اللبناني من بلدة الغجر وفرض أمر واقع على اللبنانيين من دون الأخذ في الاعتبار حقوق لبنان.. الأمر الذي يتطلب أن يعمل الجميع لردع هذا العدو بكل الوسائل المتاحة لذلك ومنعه من فرض أمر واقع على هذه القرية.

ونحن نرى أن لبنان ليس ضعيفاً في هذه المواجهة إن توحدت جهوده ووقف صفاً واحداً خلف جيشه ومقاومته…

ونتوقف عند الذكرى السابعة عشر لحرب تموز التي استطاع لبنان بفعل صمود شعبه ومقاومته وجيشه أن يسقط الأهداف التي كانت مرسومة لهذه الحرب، والتي أريد لها أن تكون المخاض لبناء شرق أوسط جديد يكون فيه للكيان الصهيوني اليد الطولى في المنطقة والذي عبرت عنه آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية، وأن يثبت مجدداً أنه عصي على هذا العدو وقادراً على جعله يخرج ذليلاً إذا كرر عدوانه على أرض لبنان.

إننا في هذا الوقت لا بد أن نستذكر كل التضحيات التي قدمت لتحقيق هذا الإنجاز، والشهداء الذين سقطوا والجرحى الذين عانوا ومن لا يزالون يعانون من جراحهم والصمود الذي شهدناه من أهل الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، رغم التهجير والدمار الذي حل بهم من دون أن ننسى تقدير كل هذا الاحتضان اللبناني الواسع للذين عانوا من تداعيات العدوان.

إننا لن ننام على حرير هذا الإنجاز، ونبقى على حذر لعدو يقوم بمناورات شبه دائمة تحاكي الدخول إلى أراضٍ لبنانية.. ونحن ننوه بكل جهد يؤدي لتعزيز المناعة الداخلية وكل عناصر القوة والجهوزية لمواجهة أي عدوان ما يجعل العدو غير قادر على تكرار فعله وأن يحسب ألف حساب كما بات يحسب قبل أن يدنس أرضاً لبنانية.

وأخيراً نحن على موعد يوم الأربعاء القادم مع سنة هجرية جديدة هي الألف وأربعماية وخمس وأربعون، والتي نسأل الله أن تحمل لنا بشائر الخير والبركة والسلام والأمن والطمأنينة، وأن تكون خيراً من ماضيها وأيضاً على موعد مع موسم عاشوراء جديد نستعيد فيه كل معاني الإباء والشموخ والعزة والكرامة، وتتوحد فيه الجهود لتحقيق الأهداف التي لأجلها بذلت كل التضحيات التي لأجلها كانت كربلاء.