خطبة الجمعة للشيخ الخطيب في مقر المجلس

خطبة الجمعة للشيخ الخطيب في مقر المجلس

ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد ابن عبد الله وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.

والسلام عليكم ايها الأخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.

وأبارك لكم وللمسلمين حلول شهر شعبان المبارك وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه من العمل الصالح والقيام بطاعته فقد ورد عن رسول الله (ص) الحثّ على صيامه: “وان من صامه وجبت له الجنة” والحثّ على الصيام ثابت في جميع الروايات الواردة عنه (ص) وعن آله الطاهرين، كما ورد فيها الحثّ على التصدّق بشكل خاص وأعمال الخير بشكل عام من صلة الارحام وإغاثة الملهوف وزيارة المرضى وتفقّد الاخوان ومساعدة المحتاج وكل خدمة وعمل إنساني يُتقرّب فيه إلى الله تعالى إلى جانب الدعاء.

وهو أحد الشهور التي ورد الاهتمام بها والحثّ فيها على العبادة وأن لها خصوصية من بين سائر الشهور، فللطاعة فيها ثواب أعظم ولصاحبها مقام أعلى أعني شهر رجب وشعبان ورمضان كمساحة زمنية يمارس العبد فيها رياضة روحية ويؤكد عبوديته لله تعالى وارتباطه به وتحرّره من أسر التعلّق بالأمور المادية لكون الصوم هو عمدة هذه العبادات لأن الشهوات والغرائز إن لم يتملكها  الانسان تملكته وأصبح عبداً لها وهبط من مستوى الكرامة الانسانية التي تعني استحقاقه أن يكون في المقام الذي يخوّله تحمّل المسؤولية الى مستوى المرتبة الأدنى وهي المرتبة الحيوانية والعبودية بأدنى مراتبها.

أيها الاخوة والاخوات، ان العبادات بشتى انواعها من الأعمال العبادية الخاصة إلى العبادات بمعناها الاشمل التي يؤتى بها وفق الشروط من الإخلاص لله تعالى هي التي ترتقي بالإنسان من المستوى الحيواني إلى المستوى الإنساني والعكس صحيح، فكلما خضع الانسان لغرائزه واستجاب لها، (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)  لرفعناه بها أي انه لو اختار الخضوع لله تعالى بالإتيان بالعمل خالصا ًلله لكان ذلك موجباً لارتقائه المعنوي وجعله مستحقاً لمقام المسؤولية الذي هو مقام الخلافة لله، ولكنه خضع لغرائزه فجعلته أسيراً لها، ومن كان أسير شهواته لا يستطيع أن ينهض بمقام المسؤولية، فإنّ هذا المقام يحتاج إلى قدرة فائقة لمواجهة متطلبات النفس التي هي في الفكر الديني أعدى اعداء الانسان، لأنها تحاول دائما إخضاعه لمتطلباتها ، فهي في مقام التحدي الدائم لسلبه القدرة التي تتطلبها مسؤوليته إذ لا يمكن للإنسان أن يكون مسؤولاً مع افتقاده القدرة على تحمّل المسؤولية وحينما يكون خاضعا لشهواته النفسية يعني أنه يفتقد القدرة على ممارسة هذه المسؤولية التي يدركها بالفطرة، فهو يدرك بالفطرة أنه مربوب وعليه أن يقوم بموجبات هذا الإدراك من الطاعة، فعليه اذاً ان يحصّل القدرة ليس القدرة المادية والجسدية وإنما القدرة على الاستجابة النفسية والدافع العملي والعبادات وخصوصا الصلاة والصيام هي أهم الوسائل التي تعطي الانسان هذه القدرة وتحرّره من أسر العبودية للغريزة قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) وأمر بالصوم لمن لا قدرة له على الزواج ولا طاقة لديه لتحمل العزوبية فالصوم يقمع الشهوة الجنسية ويحرر الانسان من ضغطها.

ولذلك، فإنّ من يدعون إلى التحرّر من قيود القيم ويعتبرون ذلك دعوة إلى الحرية وان الالتزام بالقيم والمعايير الدينية دعوة للعبودية ومخالفٌ للمعايير الانسانية هي تلاعب لفظي بالمفاهيم لأن ما يسمونه حرية  ليس إلا دعوة للفوضى والا فلا حاجة حتى للقوانين الوضعية، ولذلك اضطروا فيما بعد الى تقييدها والتعبير عنها بالحرية المسؤولة وهذا من باب العناد، ونحن نقول بالمسؤولية والقدرة على الاختيار بين ممارسة المسؤولية وعدمها لا يعني حرية، فالمسؤولية تنافي الحرية بهذا المعنى لا الحرية، ًلأنه اذا كان حرا بمعنى أن له الحق أن يفعل أو لا يفعل، فهذا يعني انه غير مسؤول. والمسؤولية تستدعي القدرة على الفعل لا بنحو الاجبار والمسؤولية تستدعي المساءلة، فإذا كان حراً بمعنى أن له الحق أن يفعل أو لا يفعل فكيف يكون موضعاً للمساءلة، وهذا تهافت كما يقول الفلاسفة.

أيها الاخوة والاخوات، إنّ عدم القدرة على التفكيك بين القدرة على الالتزام والمخالفة وبين حق الالتزام والمخالفة أوقع أصحاب رفع شعار الحرية في هذا الالتباس أو اُستغل الالتباس لمآرب تضليلية وكشعار أُريد به شيطنة الدين والنفوذ الفكري للسيطرة الاستعمارية الغربية كما حدث فعلاً وكما يحدث الآن عندما يرفع شعار حرية المرأة ويُقصد بها التفلّت من القيم الاخلاقية والاجتماعية والوصول إلى التفكك الاسري والتحلل من الروابط الاجتماعية والثقافية وصولاً إلى الفوضى الاجتماعية والتحلّل من القيم الاخلاقية والاجتماعية.

نعم، لدينا أخطاء في الممارسة والفهم وسوء في التطبيق يجب تداركها وعدم إبقاء بعض الأخطاء منافذ يدخل منها أصحاب النوايا الخبيثة او تكون سبباً لسوء الفهم لدى اصحاب النوايا الحسنة. وهنا في موضوع الحضانة الذي يطرح كمادة اعلامية في بعض الأحيان يصوّب فيها على الفقه الإسلامي الشيعي الذي يتميز بالحركية والانفتاح وعدم الجمود، وهذا ما يشهد لهم فيه أهل الاختصاص قد حلّ هذه المسألة بإعطاء القاضي الحق في تجاوز سن الحضانة اذا ما وجد مصلحة الطفل في ذلك، فهو إلى جانب أخذه حق الام وحق الاب {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)، ولكن مصلحة الطفل حاكمة في هذه المسألة، فالمعيار هو مصلحة الطفل للاب الولاية وللام الحضانة يراعي فيها مصلحة الطفل.

لقد تطرّقت إلى موضوع الحضانة استطراداً من باب المسؤولية.

ونحن اليوم بمناسبة ولادة سيّد الشهداء وهي مناسبة أخرى زادت شهر شعبان بركة وعظمة وكذلك مناسبات ولادات الامام زين العابدين وأبي الفضل العباس التي تفيض بركة وتزوّدنا بالقيم المعنوية والطاقة الروحية التي نستمد منها قيم الثبات على الحق والاستشهاد في سبيله ونصرة المظلوم ومواجهة الظلم والظالمين وتحمل مسؤولية الدينية والأخلاقية في الدفاع عن وحدة بلدنا ووحدة شعبه وتضامن أبنائه بمسؤولية وطنية ودينية.

فإننا جميعاً مسؤولون (مسلمين ومسيحيين) ومن كافة المذاهب وتعدّدها وتنوّعها عن التفريق بين الانتماء الديني والمذهبي وبين الولاء السياسي الذي يجب أن يكون بالدرجة الاولى للبنان وشعبه ولحفظ مصالحه الذي لا يتناقض على الإطلاق مع العمل على تحقيق استراتيجية وطنية للدفاع عن لبنان وعن سيادته على أرضه وشعبه وتحقيق قيامة الدولة والخروج من صيغة الدويلات التي بُني عليها الكيان اللبناني بتحميل التنوع الديني مسؤولية ذلك.

فالتنوع الديني والتعددية الطائفية لا يلغي أحدها الآخر ولا يمنع من إقامة الدولة على أساس المواطنة والمواطنة لن تلغي نعمة تعدّد الطوائف وهذه احدى الذرائع المخترعة البالية لمنع إقامة دولة  قادرة على الدفاع عن سيادتها والحفاظ على كرامة شعبها ومن أجل الحفاظ على مصالح فئات طائفية باسم الطوائف والدين ونحن حريصون على هذا التنوع الذي نعتبره نعمة ورسالة إسلامية مسيحية نموذجية للعالم من التعاون بينهما باعتبار أن القيمة للإنسان: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (والناس كلهم عيال الله واحبهم إليه  أنفعهم لعياله) (ولا لفضل لعربي على أعجمي ولا أسود على أبيض الا بالتقوى)، وغيرها من النصوص القرآنية والحديثية التي تجعل الإنسان والعدالة والتقوى هي القيمة التي نبني عليها.

وأما الإصرار على إلغاء الآخر ورفض الحوار والتعارف بين المتنوعين واعتبار التنوع تناقضا والدعوة إلى الكراهية وإشاعة أجواء الحقد، فهي دعوة لحربٍ أهليةٍ جديدةٍ  مرفوضةٍ ولا حل الا بالحوار والتفاهم والتخلي عن المنطق الجاهلي العنصري المتخلف، ولنأخذ الدرس مما حصل ويحصل مع الشعب الفلسطيني والتعويل على تعهدات الإدارة الأمريكية  لتنفيذ الاتفاقيات التي كانت التزمت تنفيذها . وهنا اسأل: ماذا كانت حصيلة هذه الاتفاقيات التي جعلت العدو محرراً من التزاماته يبتلع الأرض ويرتكب المجازر دون أن يحصل الفلسطينيون حتى على إدانتها، بينما أصبح الفلسطينيون أسرى لها وملزمون بتنفيذ تعهداتهم للكيان الاسرائيلي  وحال السلطة الفلسطينية كما يقولون “الله يكون بالعون”.

واذا كان بعض الفلسطينيين لسبب أو لآخر وثقوا بالأمريكيين وبالتالي وقع الفأس بالرأس، فنحن اللبنانيون والحمد لله ما زلنا نملك حريتنا وليس لأحد علينا كلبنانيين من التزامات يصح هنا ما لم يصح في الحديبية، القول لماذا نعطي الدنية في وطننا على حساب المصلحة الوطنية فلنعطي الحوار بيننا مساحة تفضي إلى حلول لمصلحة الجميع ودعونا نحكي لغة وطنية  لغة التقارب دون تأويل لهذه الدعوة بأنها تنم عن إحساس بالضعف ونحن لا نقوى بالسلاح وسلاحنا هو منطق الحق وهو قبول الآخر مهما تباعدت الآراء والدعوات إلى الاحتكام إلى لغة الحوار.

أعود لذي بدء مهنئاً بالمولد المبارك لسيد الشهداء والإمام زين العابدين وأبي الفضل العباس وعلي الأكبر الذين استشهدوا للدفاع عن قيم الحق والهدى. وكل عام وأنتم بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *