المرتضى في معرض عن اعمال الفنان مارون طنب: الاحتكامَ إلى الدستور والقانون ومصلحة المواطنين والسعي الدائم إلى الحوار يفتح السبيل إلى كثيرٍ من الحلول. أما قطعُ الجسور وإغلاقُ الأبواب، فلن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التأزم.

المرتضى في معرض عن اعمال الفنان مارون طنب: الاحتكامَ إلى الدستور والقانون ومصلحة المواطنين والسعي الدائم إلى الحوار  يفتح السبيل إلى كثيرٍ من الحلول. أما قطعُ الجسور وإغلاقُ الأبواب، فلن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التأزم.

إفتتح وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، المعرض الإستعادي التشكيلي للرسام الراحل مارون طنب (1911- 1981)، بعنوان “مشوار دروب الفنان من فلسطين الى لبنان” (حوار بين جيلين مارون ونجله فؤاد طنب) في “دار النمر للثقافة والفنون” في كليمنصو، بدعوة من “مؤسسة فؤاد ومي طنب للفنون”، في حضور السفيرة الكندية ستيفاني ماكولم، الملحقة الثقافية للمركز الثقافي الفرنسي إيزابيل سنيور ممثلة السفيرة الفرنسية آن غريو، رئيسة “المؤسسة الوطنية للتراث” منى الهراوي، رئيسة “مهرجانات بيت الدين” نورا جنبلاط، الوزير السابق خليل الهراوي، الزميلة منى سكرية ممثلة نقيب المحررين جوزيف القصيفي، نقيب الفنانين التشكيليين نزار الضاهر، رئيس “جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت” ميشال روحانا، المدير السابق للمعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتور وليد مسلم، نائب رئيس جامعة اليسوعية الدكتور توفيق رزق، الى عائلة الراحل الفنانين امال وفاديا ورونزا وفؤاد وسمير طنب وحشد من الفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية والاعلامية.

 

وبعد جولة في ارجاء المعرض، قال الوزير المرتضى: “فضاءُ جمالٍ سينقلنا إليه حوار الألوان الذي نستمعُ إليه بعيوننا في هذا المعرض. فإن المتأمل في اللوحات المعروضة فيه، لا بدَّ له أن يكتشفَ تأثير المكانِ فيها، سواء كانَ ذلك في المشاهد الطبيعية الريفية أم في وجوه الأشخاص وملامحها المضيئة. إنها حكاية التراث بأهله وأشيائه وقِيمه، تروي لنا معيشةً رَغْدًا على كفافِها، وماضيًا لا يبرحُ الذاكرةَ الفرديةَ والجمعيةَ، وحنينًا ينبضُ في كلِّ خفقةِ قلب. وإعادة عرضِ هذا التراث على الملأ هو بمنزلةِ مدِّه مجددًا بالحياة، وهو أيضًا إغناءٌ للحياة الثقافية في لبنان، لا سيما في ما يتعلق بالكشفٍ عن مخبوءاتٍ فنية للراحل مارون طنب، ينبغي للجيل الجديد من المثقفين والفنانين أن يطَّلعَ عليها”.

المرتضى

وافتتح راعي الاحتفال الوزير المرتضى المعرض بكلمة قال فيها: “تستوقفني مناسبةُ هذا اليوم عند أربعِ محطاتٍ، أولاها أنني على الصعيد الشخصيِّ شغوفٌ بالفن التشكيليِّ، متذوقٌ لجمالياتِه، حريصٌ على متابعةِ تطوره، حتى لقد جعلتُ من مكتبي في وزارة الثقافة مُتْحَفًا صغيرًا فيه من اللوحات عددٌ غير قليل. وإنني لأشعرُ حين أتأمَّلُها بأن تعبَ النهارات ينهارُ عن كتفيَّ، وأن الإبداع الناطقَ فيها يكتنفُني من كلِّ صوب، فيكون لي بمجرد النظر إليها راحةٌ وتجاوزٌ وتحفيزٌ على مزيد من العمل. ولعلَّ زوّاري في المكتبِ عينِه يشاركونني هذه المتعة الجمالية التي توزِّعُها الكتبُ المنثورة على الطاولة أو المصفَّفةِ على الرفوف، واللوحات الموزَّعةُ هنا وهناك، حين يرون أنفسَهم موجودين في حضرة الثقافة جمعاء، لا في مكتب إداريٍّ عاديٍّ لوزيرٍ في حكومةِ تصريف أعمال.

أما المحطَّةُ الثانيةُ فمختصَّةٌ بالبعدِ الاجتماعي من تراثنا العريق، المستمد من الرسالات السماوية التي عاشت أجيالُنا في ظلالِها وما برحت ترعى حياتنا إلى اليوم، وهو البعدُ المتمثلُ في الحفاظِ على القيم العائلية والبِرِّ بالوالدَيْن. فما فعله فؤاد طنب بتأسيسه “جمعية فؤاد ومي طنب للفنون” التي أحَدُ أهدافِها الحفاظُ على التراث الفني لعائلة طنب وعلى رأسِها الفنان الراحل مارون طنب، إنما يمثلُ صورة من صُوَرِ البِرِّ والوفاء، وعنوانًا من عناوين التشبُّثِ بالعائلةِ وترابطِها ومنجزاتها الإبداعية. والحوارُ الفنيُّ الذي يعقِدُه هذا المعرض بين الأب وابنه، تجسيدٌ لتعلق فؤاد طنب بهذا الانتماء العائلي الذي يجتمع فيه النسبُ والفنُّ إلى اتّحادٍ واحدٍ، ويتعانقان معًا كمثلِ إطارٍ للوحةٍ فنية من صنعهما، أو كمثل لونين متآخيين على قُماشةٍ حيةٍ ناطقة تحمل توقيع أحدهما. ولقد أحببتُ أن أقف قليلًا عند البعد العائلي، نظرًا للهجمة المنظمة التي تتعرض لها هذه المؤسسة التي شكلت الحاضنة الأساسية لوجودنا الاجتماعي، وذلك من باب تشديد الدعوة إلى المحافظة عليها.

وأما المحطة الثالثة، فهي في التنقل المكاني لعائلة طنب بين طرابلس وحيفا، ثم في العودة إلى لبنان إثر نكبة العام 1948 وتداعياتِها الهمجية على المنطقة بأسرها، وبخاصة على فلسطين، ثمَّ في الانتقال إلى كندا ودول الغرب. إنها مسيرةٌ كانت ظاهرةً من ظواهر الحياة اليومية عندنا، وهي تقولُ إن التواصل بين الناسِ هنا وهنالك، كان يمكنه أن يبقى طبيعيًّا، لولا هذا الكيانُ المغتصبُ الذي زُرِعَ في قلبِ بلادِنا وقطَّع أوصالَها وأبعدَ ما بين ناسِها وأوقد فيهم عداواتٍ مصطنَعة. ويحضرني في هذا الخصوص بيتٌ للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري من قصيدةٍ كتبها في زيارة له إلى يافا، يقول: أحقًّا بيننا اختلفَت حدودٌ وما اختلفَ الطريقُ ولا الترابُ، ومهما يكن من أمر، فإن هذه الحقيقة الإنسانية التي يثبتُها تناقضُ طبيعة علاقات الناس عندنا بين الأمس واليوم، تحتم علينا امتلاك الوعي الكامل لحقيقة ما علينا فعله لمواجهة هذه التحديات المصيرية التي تعاني منها أوطانُنا وشعوبُنا.

 

أما المحطة الرابعة والأخيرة، فهي فضاءُ جمالٍ سينقلنا إليه حوار الألوان الذي نستمعُ إليه بعيوننا في هذا المعرض. فإن المتأمل في اللوحات المعروضة فيه، لا بدَّ له أن يكتشفَ تأثير المكانِ فيها، سواء كانَ ذلك في المشاهد الطبيعية الريفية أم في وجوه الأشخاص وملامحها المضيئة. إنها حكاية التراث بأهله وأشيائه وقِيمه، تروي لنا معيشةً رَغْدًا على كفافِها، وماضيًا لا يبرحُ الذاكرةَ الفرديةَ والجمعيةَ، وحنينًا ينبضُ في كلِّ خفقةِ قلب. وإعادة عرضِ هذا التراث على الملأ هو بمنزلةِ مدِّه مجددًا بالحياة، وهو أيضًا إغناءٌ للحياة الثقافية في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بالكشفٍ عن مخبوءاتٍ فنية للراحل مارون طنب، ينبغي للجيل الجديد من المثقفين والفنانين أن يطَّلعَ عليها.

 

أيها الحفل الكريم

 

نسلك في عيشِنا الوطنيّ مسارين مختلفين: أزماتٌ تحيق بنا من كلِّ جانبٍ، وأعظمها أنَّ بعضَنا يُؤْثِرُ التعطيلَ والسلبيةَ في التعاطي معها، وحياةٌ ثقافية تمشي قُدُمًا إلى الأمام تاركةً تأثيراتٍ إيجابيةً حيثما حلَّت في أرجاء لبنان. وبين الإيجابية والسلبية ندركُ أنَّ القيم وحدَها تجنِّبُنا الأزمات. وأن الاحتكامَ إلى الدستور والقانون ومصلحة المواطنين والسعي الدائم إلى الحوار والتلاقي والتوافق، وهي من القيمِ الوطنية الأساسية، كلُّ ذلك يفتح أمامنا السبيل إلى كثيرٍ من الحلول. أما قطعُ الجسور وإغلاقُ الأبواب، فلن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التأزم الذي لم يعد في طاقة اللبنانيين احتماله. فتعالوا معًا نسلك درب الثقافة والوعي البناءة، ولنتجنَّبِ الخصومات الهدامة، رأفةً بالوطن الذي بات يصرخ في وجه كلٍّ منا بلسان ابن الرومي القائل: سبيلَكَ فانظرْ أيَّ نَهْجَيْكَ تَنْهَجُ طريقانِ شتّى مستقيمٌ وأعوَجُ والسلام”.

كلمة عائلة طنب

والقى الفنان فؤاد طنب كلمة العائلة، فقال: “يشّرفني أن يحتضن هذا المتحف أعماًلا متنّوعة لمارون طنب مع عرض موّسع لمسيرته الفنـية. باسم عائلة الفنّان المكّرم أتقّدم بشكر خاص لمعالي الوزير، فهو برعايته الكريمة وحضوره معنا اليوم، يؤكد دور الفن الحضاري في بناء الهوية اللبنانية وإبراز رقيها الثقافي الباذخ”. كما شكر “جميع القيّمين على هذا المعرض و كّل الّذين عملوا على إخراجه إلى النور عبر جهودهم الحثيثة على مدى سنوات عّدة. هذا المعرض، مع كّل ما يقدمه بريشة مارون طنب من الفترتين الفلسطينيّة واللبنانيّة يأتي مرفقا بمعلومات تاريخية دقيقة ومعروضات الفترة الفلسطينية، التي تكشف هنا للمرة الأولى، جاءت ثمرة تقصيات طويلة عن الحركة الفنـية الناشطة في فلسطين، قبل نكبة ١٩٤٨ وبعدها، تقدمة الباحث المقدس الأستاذ مازن قبطي وله منّا أجزل الشكر على جهوده الثمينة وعلى وضع نتائج أبحاثه في تصّرفنا”.

اضاف: “في هذا المعرض محطّات فنـية عدة لنتاج مارون طنب متنوعة الأصول والمراحل، بدءا من أقدم أعماله الحيفاوية، لا سيما في محترف Hermann Struck، مرورا برسومه القصصية خلال عمله كمدير فّني ﻟﻤﺠلّة “أهل النفط”، لسان حال “شركة نفط العراق”، وصولا إلى بطاقاته البريدية وطبعا أعماله الفنـية البارزة، من مائيات وزيتيات ولوحات بالحبر الصيني. وما كان لهذا المعرض الاستعادي أن يبصر النور بحلته الأنيقة لولا تزويدنا بلوحات عدة من مجموعات وزارة الثقافة ودار النمر وغاليري جانين ربيز وأولاد الفنان مارون طنب وبمواد من أرشيف غاليريDamo إسهام إعلامي من المعهد الفرنسي والـ

Agenda culturel. مع كامل امتناننا لكل هذه الجهات. من أهداف المعرض الإضاءة على نتاج الفنّان مارون طنب منذ فترة شبابه في فلسطين وحّتى عودته إلى أرض أجداده لبنان، حيث أكمل مسيرتَه وازدهر عطاؤه التشكيلي الذي تميّز بالتقنية الانطباعيّة وباصطفاء مواضيع الطبيعة اللبنانيّة. أخيرا، وضمن هذا المعرض التكريمي، ياتي لقائي الفّني بوالدي حواًرا تبدأه ريشتي باحثة عن تعبير جديد للوحات تاملتها لسنين عديدة إلى أن قاربتُها ونّفذُتها برؤياي الخاصة فنيا وتقنيا. هنا تفرض الوراثة قانونها عبر تشابه المواضيع والرغبة في تبني ألوان الوالد ولو باداء مختلف”.

وتكريما لفؤاد طنب وجهوده في حفظ مسيرة وموروث والده منحه الوزير المرتضى شهادة تقدير. كما منح العائلة درعًا تقديرة لانجازاته في مضمار الفن التشكيلي.

من جهةٍ ثانية اعلن رئيس جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت ميشال روحانا عن “مبادرة تجديد عضوية مارون طنب بطاقة انتسابه للنقابة تحت رقم 46 في العام 1958”.