ورقة علمية لمركز الزيتونة تدرس مشاركة وتصويت المجتمع العربي في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين

أصدر مركز الزيتونة ورقة علميَّة بعنوان: “مشاركة وتصويت المجتمع العربي في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين: تحليل للتوجهات ونظرة إلى المستقبل”، للباحث الأستاذ هيثم أبو سويرح. حيث تستعرض الورقة بيانات تصويت المجتمع العربي في انتخابات الكنيست الـ 25 مع وصف الاتجاهات السياسية والاجتماعية التي انعكست فيها، وتحليل للآثار المحتملة للواقع السياسي الناشئ على المجتمع العربي وعلاقاته بمؤسسات “دولة إسرائيل” والمجتمع اليهودي، كما تقدِّم توصيات للنخب السياسية العربية بشأن سياستها تجاه المجتمعَين العربي واليهودي.

فقد خاضت “إسرائيل” غمار جولة انتخابية برلمانية جديدة للكنيست الـ 25 في 1/11/2022، بعد أن فشلت الجولات الأربع في الثلاثة أعوام والنصف الأخيرة (2019-2021) في تحقيق استقرار سياسي فيها، نتيجة التشقق المستمر في بنية الحكومات المشكلة؛ بسبب التنازع الداخلي بين القوى السياسية، ويشير ذلك أيضاً لاستمرار ظاهرة عدم انتظام التداول السياسي في “إسرائيل”.

ويُنظر إلى انتخابات الكنيست الـ 25 على أنها من أهم الجولات الانتخابية في تاريخ “إسرائيل”. فقد أسفرت هذه الجولة على ما يبدو عن قرار يضع حداً للأزمة السياسية المستمرة في “إسرائيل” منذ نحو ثلاثة أعوام ونصف، مما قد يتيح فرصة لتشكيل حكومة مستقرة بهوية وخطوط أساسية وأهداف سياسية واضحة، بعد أن حصلت كتلة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو على 64 مقعداً في الكنيست، وكتلة اليسار على 51 مقعداً، والقائمة العربية الموحدة (رعام) على 5 مقاعد.

وتنافست في هذه الانتخابات 40 قائمة انتخابية، شُكِّلت من 49 حزباً، شملت الطّيف السياسي الإسرائيلي من أقصى يمينه إلى أقصى يساره، من ضمنها 3 قوائم عربية؛ نجح اثنان منها في الانتخابات وتخلف الثالث، شُكلت هذه القوائم من 4 أحزاب عربية اعتادت المشاركة في الانتخابات، بعضها شارك منذ 4 عقود والآخر منذ عقدين ونصف، فيما عارضت قوى سياسية عربية المشاركة في الانتخابات منذ نشأتها ودعت لمقاطعتها.

وتحظى انتخابات الكنيست الـ 25 بأهمية خاصة، بالنسبة للمجتمع العربي في “إسرائيل”؛ يجسد الحدث تناقضاً، فمن ناحية كان للصوت العربي تأثيره على نتائج الانتخابات وصورة الحكومة المقبلة، ولكن من ناحية أخرى، أدى التصويت إلى نشوء كتلة سياسية ينظر إليها على أنها خصم في نظر غالبية المجتمع العربي، ألا وهو فوز أحزاب الصهيونية الدينية، وفقدان تأثير سابق نشأ في سنة 2021، وهو تشكيل الائتلاف الحكومي من أحزاب الوسط واليسار وبدعم حزب عربي.

وقد أشارت الورقة إلى أن هذه الانتخابات أظهرت تغييرين رئيسيين في سياق السياسة العربية في “إسرائيل”، تمثّل الأول بتحوّل القائمة العربية الموحدة من التي تتبع للحركة الإسلامية الفرع الجنوبي إلى أكبر حزب عربي برلماني في “إسرائيل”، وذلك بعد سنوات عديدة من هيمنة التيار الشيوعي بقيادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وعزّز ذلك ما روَّجت له القائمة العربية الموحدة خلال حملتها الانتخابية من خلال الاندماج في الائتلاف الحكومي والمكاسب التي حققتها من وراء ذلك. وتمثَّل التغيّر الثاني بتراجع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير ونهجهما الداعي للشراكة السياسية العربية اليهودية الذي لم يقدم شيئاً للمجتمع العربي على مدار الأعوام الماضية.   كما أشارت الورقة إلى أن مشاركة القائمة العربية الموحدة أسهمت في دعم الائتلاف الحكومي بشكل كبير وفي استنهاض جمهور المتدينين اليهود للمشاركة في انتخابات الكنيست الـ 25، وهو ما أفضى لحصول تحالف اليمين بقيادة نتنياهو إلى 64 مقعداً، مما شكَّل انتصاراً كبيراً لمعسكر المتدينين خصوصاً زمرة الصهيونية الدينية والتي ينذر دخولها الائتلاف الحكومي على خطورة عالية تجاه المسجد الأقصى المبارك والاستيطان في الضفة الغربية والأسرى في سجون الاحتلال وقضايا المجتمع العربي في الداخل المحتل.

ورأى الباحث أنه لا يوجد مكسب ذو مردود حقيقي من مشاركة المجتمع العربي في انتخابات الكنيست بشكل عام؛ حيث أنه في أقصى حالات المشاركة العربية في الانتخابات لن يتجاوز عدد المقاعد التي سيحصل عليها المجتمع العربي أكثر من 20 مقعداً من أصل 120 مقعداً؛ وعليه ستبقى الكتلة العربية هي الأضعف طالما أنه لا نصير معها من الكتل البرلمانية الأخرى؛ ودعا الباحث إلى تشكيل حزب سياسي عربي جامع من كافة الأطياف العربية في الداخل المحتل، للتصدي للسياسة الصهيونية التي تعد “إسرائيل” دولة قومية يهودية، وأن العرب هم مقيمين فيها لا حقوق لهم.

كما دعا إلى مقاطعة المشاركة في انتخابات الكنيست، ولو لمرة واحدة، لإيصال رسالة بوجود مجتمع قادر على التأثير في المشهد السياسي الإسرائيلي. وأوصى بمحاربة فكرة الانخراط في النظام السياسي الإسرائيلي وفي “الأسرلة” التي تدعو لها بعض القوى السياسية العربية، مع تبيان المخاطر المترتبة عليها، وأنها نوع من أنواع التطبيع وشرعنة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين. كما أوصى بالتواصل مع مكونات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات لزيادة الربط السياسي والاجتماعي والثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية الرافضة للاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية.