حلقة نقاش لمركز الزيتونة تستشرف المواقف العربية والإسلامية والدولية سنة 2023

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش يوم الأربعاء 11/1/2023 تناولت التقييم الاستراتيجي للتطورات والمواقف العربية والإسلامية والدولية خلال سنة 2022، واستشرافاً مستقبلياً لهذه المواقف خلال سنة 2023؛ بمشاركة عشرات الخبراء والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.

وقد طُرحت في الحلقة خمس أوراق عمل، حيث ناقش د. أشرف بدر المواقف العربية وآفاقها، واستشرف أ. د. وليد عبد الحي المواقف الدولية، كما حلل الأستاذ هاني المصري مسار التسوية السلمية واحتمالاته، بينما قدم أ. د. طلال عتريسي رؤيته للمواقف الإيرانية ومساراتها المحتملة، وقدم د. سعيد الحاج تحليله للمواقف التركية والتوقعات المحتملة. وشارك مجموعة من الخبراء في التعقيبات ومناقشة الأوراق المقدمة، قبل أن تُختتم الحلقة بتوضيحات وإجابات الخبراء الذين قدموا أوراق العمل.

العالم العربي:

في الإطار العربي، لاحظ التقييم الرفض الشعبي الواسع للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي واعتبار نحو 85% من البيئة الشعبية الكيان الخطر الأكبر على العالم العربي، كما برزت مظاهر هذا الرفض بشكل جلي في مونديال قطر. ولاحظ التقييم أن الجزائر لعبت دوراً مهماً في مقاومة التطبيع عربياً وفي الساحة الإفريقية، وهو دور ستتابعه خلال سنة 2023؛ ورفعت عُمان وتيرة مواجهتها للتطبيع من خلال تعزيز قانون مقاطعة “إسرائيل” وبضائعها، بينما ستتابع الكويت رسمياً وشعبياً رفضها للتطبيع؛ ويتسق مع هذه المواقف مواقف كل من العراق وسورية وليبيا ولبنان وتونس واليمن. أما السودان فمساره التطبيعي سيشهد ارتباكاً واضحاً بسبب تعثّر النظام الحاكم، واتساع دائرة المعارضة لمسارات التطبيع. وستواصل قطر سياستها الداعمة للقضية والانفتاح على القوى الفلسطينية واستضافة قيادة حماس ودعمها الإنساني لقطاع غزة، مع الإبقاء على هامش “تطبيعي” محدود يمكنها من لعب “ديبلوماسية الإنابة”، ويخفف عنها الضغوط الخارجية، خصوصاً مع حرصها على إنجاح فعاليات كبرى تنظمها مثل بطولة كأس العالم لكرة القدم وغيرها.

أما السعودية فيظهر أنها ستتابع طريقتها في التطبيع المتدرج و”تحت الطاولة”، وهي ليست في عجلة من أمرها، ما دامت لا تواجه ضغوطاً حقيقية أو مخاطر كبيرة، كما أن لديها حساباتها المعقّدة في الحرص على الإبقاء على زعامتها في العالم الإسلامي، وعدم الاصطدام بمشاعر القواعد الشعبية الواسعة الرافضة للتطبيع. مع ملاحظة احتمال تزايد الاحتقان السعودي الإيراني، وما قد يستتبعه من علاقات وتوترات إقليمية، ومن تأثير على أسواق النفط والغاز العالمية.

وستتابع مصر والأردن سلوكهما التطبيعي المعتاد، غير أن العلاقات الأردنية مع “إسرائيل” قد تشهد توتراً في 2023، بسبب الحكومة الإسرائيلية وأجندتها المتطرفة التي تسعى للهيمنة على الأقصى والقدس، والتهميش الفعلي للوصاية الهاشمية على المقدسات؛ مع تصعيد خطاب الوطن البديل؛ وإنهاء مسار التسوية.

ويظهر أن الإمارات ستتابع دورها القائد لملف التطبيع، إذ قفز تبادلها التجاري مع “إسرائيل” خلال 2022 إلى أكثر من مليارَي دولار، ولم يُحدث تولي اليمين الديني والمتطرف للحكم في “إسرائيل” أثراً كبيراً لدى الإمارات؛ وتَجري البحرين والمغرب على منوال الإمارات وإن بوتيرة أقل، حيث توجد معارضة واسعة وقوية ومنظمة للتطبيع في كِلا البلدين. وتتابع الدول الثلاث عقد اتفاقات تطبيعية في المجالات الاقتصادية والسياسية والتعليمية والأمنية والعسكرية والصحية والسياحية. بل إن الإمارات تنوي تدريس “الهولوكوست” في مناهج تعليمها.

أما منتدى النقب الذي تشارك في عضويته دول التطبيع، فمن المتوقع أن يتابع أعماله، وإن كانت تواجهه بعض الصعوبات، خصوصاً نتيجة استياء الأردن من سلوك الحكومة الإسرائيلية.

وليس من المتوقع أن تنشب حرب بين “إسرائيل” وحزب الله في لبنان، في ضوء عدم رغبة الطرفين في الوصول إلى هذه الدرجة، وفي ضوء عقد اتفاق الغاز بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي والذي يسعى الجانبان لإنجاحه.

وستتابع “إسرائيل” سياستها في الهيمنة على المجال الجوي السوري، وممارسة سياسة “جزّ العشب” أو ضرب أي مواقع ترى فيها خطراً عليها أو تجاوزاً لـ”خطوطها الحمراء”.

البيئة الدولية:

وفي الإطار الدولي، توقّعت حلقة النقاش تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة وتراجع مكانتها في الشرق الأوسط دون أن يعني ذلك أنها فقدت مكانتها كلاعب أول عالمياً وشرق أوسطياً. وتوقع الحلقة أن تحتدم المعارك في أوكرانيا في شهرَي آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2023، وأن يحاول الروس تصعيد هجومهم، وأن تحقيق أي تقدم روسي أو تمكن الروس من فرض شروطهم، سيضعف المكانة الدولية للولايات المتحدة؛ كما أن نتائج الحرب ستخدم الصالح العربي.

كما توقّعت أن تقوم الصين بتصعيد الضغوط على تايوان لتحقيق مكاسب تكتيكية، وهو أيضاً ما سيلقي بمزيد من الأعباء على الولايات المتحدة ويضعف مكانتها. وهذا سيؤدي أيضاً إلى مواجهة “إسرائيل” لإشكالية الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها القوية مع الصين، وعدم انعكاس ذلك سلباً على علاقاتها الاستراتيجية الحيوية مع أمريكا.

من ناحية أخرى، سيسعى نتنياهو لامتصاص المخاوف الأمريكية من انهيار مسار التسوية، وعدم قدرتها على تسويق حكومته المتطرفة عالمياً، من خلال تصعيد التوتر مع إيران، أو حتى شنّ حرب على قطاع غزة.

وفي الوقت الذي تراجع فيه النمو الاقتصادي العالمي إلى نحو 2.7% وازدادت معدلات الفقر العالمية؛ فمن المتوقع أن يستمر تراجع الدعم العالمي للسلطة الفلسطينية في رام الله.

وفي أمريكا الجنوبية يظهر أن هناك عودة لتيار يسار الوسط للصعود، حيث تولى زمام الحكم في تشيلي والبرازيل، وهو ما يعني مزيداً من الدعم للقضية الفلسطينية. غير أن تزايد النزعة الإنجليكانية على حساب الكاثوليكية، يوفر قاعدة دينية ثقافية أفضل للتغلغل الإسرائيلي في المنطقة.

مسار التسوية:

أما بالنسبة لمسار التسوية السلمية، فقد أكّدت حلقة النقاش أنه ليس ثمة أفق لهذا المسار في المدى المنظور. وأن الجانب الإسرائيلي هو أصلاً غير جاد في هذا المسار ولم يلتزم بـ”حلّ الدولتين”، وإنما سعى للاستفادة من هذا المسار كغطاء لشرعنة نفسه إقليمياً ودولياً وفي فرض الحقائق على الأرض، وخصوصاً تهويد الأرض والمقدسات. كما أن التطورات في المجتمع الصهيوني تجنح إلى مزيد من التطرف الديني واليميني؛ حيث تمّ رفض عقد لقاءات سياسية مع رئيس السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، فلن تخالف الإدارة الأمريكية الرغبات الإسرائيلية فيما يتعلق بالتسوية، بينما “ماتت” الرباعية الدولية، وليس لدى الاتحاد الأوروبي إرادة سياسية للضغط في مسار التسوية، وستتابع الصين طرح مواقفها الرسمية المعتادة دون تنشيط لدورها السياسي، أما الروس فليسوا في وضع يُمكّنهم من الضغط على “إسرائيل”.

غير أن السلطة الفلسطينية والدول العربية المُطبّعة والولايات المتحدة وحلفاؤها سيسعون إلى الإبقاء على “وهم” التسوية، حيث لا بديل عنها إلا إعلان الفشل، وبالتالي انفتاح المجال لقوى المقاومة للتقدم لملء الفراغ.

الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ستسعى إلى تسريع عمليات التهويد والاستيطان في القدس وباقي الضفة الغربية التي ستكون “ميدان المعركة” القادم، وستوفر القوى المهيمنة في الكنيست الغطاء لشرعنة الضم لمناطق ج، غير أنها ستترك لنتنياهو اختيار الوقت المناسب للتنفيذ. كما تخطط هذه القوى لتهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين، عندما تجد ظرفاً مناسباً لذلك. وهذا يعني أن التيار الديني واليميني الحاكم سيسعى لحسم الصراع على الأرض؛ غير أن تصعيده سيكون نسبياً ومدروساً بحيث يبلغ أقصى مدى ممكن دون دفع أثمان لا يطيقها الاحتلال.

ولذلك، فإن عملية التسوية ستبقى على الأرجح في “الثلاجة” بوجود منظومة احتلال مُصرَّة على فرض تصورها على الأرض، ومنظومة قيادية فلسطينية عاجزة، ومنظومة عربية وإسلامية ضعيفة ومفككة ومخترقة تطبيعياً، ومنظومة دولية تدعم الاحتلال أو لا تمنعه من الاستمرار في عدوانه على الأرض والإنسان.

إيران وتركيا:

ناقشت الحلقة الموقف الإيراني، حيث لاحظت تعرّض إيران لضغوط شديدة، إذ لم تنجح المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، ولم تتمكن إيران من استرجاع عشرات مليارات الدولارات المحتجزة، ولا من الانفتاح الاقتصادي الكامل على البيئة العالمية. كما عانت إيران من احتجاجات شعبية واسعة، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها النفخ في نارها. وتعرّضت إيران لتهديدات أمريكية وإسرائيلية بسبب سياستها في المنطقة. وأثارت غضب أمريكا والاتحاد الأوروبي لتزويدها لروسيا بطائرة مسيّرة لاستخدامها في حربها مع أوكرانيا.

غير أن إيران ستتابع سياستها في رفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وفي دعم المقاومة الفلسطينية مالياً وعسكرياً؛ كما دعمت إيران مسار مصالحة حماس مع الحكم في سورية، وستسعى لتمتين العلاقات بين حلفائها، وإلى تحقيق مزيد من التنسيق بين قوى المقاومة في الداخل والخارج.

وفي الإطار التركي، كان ثمة استدارة واضحة في السياسة التركية باتجاه تحسين العلاقات مع “إسرائيل” لأسباب مختلفة يرتبط بعضها باستحقاق الانتخابات التركية، وبالتطورات التي شهدتها المنطقة خصوصاً في ضوء استنزاف الملفات الإقليمية، وطي صفحة “الربيع العربي”، وحاجة تركيا لتحسين علاقاتها مع مصر و”إسرائيل” في مواجهة الطموحات والتحديات اليونانية؛ بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن تشجع دول المنطقة على علاج مشاكلها بنفسها.

ومن المتوقع أن يتواصل تَحسُّن العلاقات التركية مع “إسرائيل” حتى بوجود نتنياهو وحكومته المتطرفة، ما لم يحدث مسٌّ خطير مباشر بالمسجد الأقصى، حيث يظهر أن قرار تقوية العلاقة اتخذ على أعلى المستويات التركية، بحيث سيستمر على الأرجح على وتيرته حتى بعد انتهاء الانتخابات التركية.

***

وقد دعت حلقة النقاش إلى ضرورة إدراك المتغيرات العربية والدولية، وتشجيع الدراسات المستقبلية ذات الطبيعة العلمية الجادة؛ والاستفادة من ذلك في خدمة القضية الفلسطينية وصناعات التوجهات المستقبلية.

كما دعت الحلقة إلى إحياء وتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق شراكة وطنية فاعلة في مواجهة التحديات الخطيرة التي تشهدها القضية؛ ودعت إلى تعزيز المقاومة بكافة أشكالها، وتطوير المقاومة الشعبية في القدس وباقي الضفة، وتنويع أنماطها ومستوياتها لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الإمكانات المتاحة، وتحقيق أكبر قدر من الضغط على الاحتلال وإفشال مخططاته.