المطران ابراهيم في رسالة الميلاد : لقد عاينتُ حضور الله معكم، ولمستُه وشهدتُه في وسطكم

المطران ابراهيم في رسالة الميلاد : لقد عاينتُ حضور الله معكم، ولمستُه وشهدتُه في وسطكم

المطران ابراهيم في رسالة الميلاد : لقد عاينتُ حضور الله معكم، ولمستُه وشهدتُه في وسطكم

 

وجّه رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم  رسالة الميلاد الى الآباءِ والشمامسةِ والرهبانِ والراهبات والمؤمنين والمؤمنات وأصدقاء أبرشيَّتنا المحروسةِ مِن الله.

 

وجاء في الرسالة : 

 

“المسيح وُلِدَ فمجِّدوه”

 

أَيَّتُها الأخواتُ والإخوةُ المحبوبون في الربِّ،

يسرُّني أن أتوجًّه إليكم برسالتي الميلاديَّة هذه وأنا أحتفل معكم للعام الثاني بهذا العيد المجيد. لقد عاينتُ طوال سنة خلت حضور الله معكم، ولمستُه وشهدتُه في وسطكم… هو عمانوئيل المتجلِّي في محبَّة بعضِكم بعضًا، وتعاضدكم ونخوتكم المشهود لها، في هذه الظروف خاصَّةً التي تعصف ببلدنا الحبيب لبنان، وبمدينتنا الحبيبة زحلة وبقاعنا الغالي. لم أكن أتوقَّع غير ذلك. فلمَّا دعاني الربُّ الإله لأعود إلى وطن الأرز، وأصير خادمكَم وراعيًا لكم، كانت ثقتي ورجائي أن أجد بينكم النور. ذاك النور الذي لم ولن تدركه الظلمة. لقد لمسته توهُّجًا في قلوبكم المستضيئة وفي عقولكم المستنيرة. 

نعم، أحبَّائي، لقد صرتم أنتم مدينةً موضوعةً على جبلٍ لا يمكن أن تخفى، وغدوتم نورًا يضيء للآخرين في ظلمة هذا العالم وعتمته، نورًا تحاول الظلمة أن تدركه بشديد قوَّتها، وما برحت تفشل! لأنَّكم نور العالم (مت 5/ 14). ونوركم هذا مصدره نور الميلاد. نور تجسِّد الكلمة، الابن الوحيد، النور الحقيقي الآتي إلى العالم لكي ينير كلَّ إنسانٍ، فنتبعه، وتكون لنا الحياة، لأنَّ فيه كانت الحياة، والحياة هي نور الناس (يو 1/ 4، 5، 9؛ 8/ 12).

في الميلاد إذًا، نحتفل بمجيء النور إلى العالم، بل بمجيء نور العالم إلينا (يو 8/ 12)، لأنَّه (نورٌ من نور) كما نعلن في قانون إيماننا. يأتي النور ليحلَّ في عتمة المغارة كما نراها مصوَّرةً بقعةً سوداء داكنةً في أيقونة التجسُّد، فيبدِّدها ويزرع الرجاء والسلام والفرح والمسرَّة. ولبناننا اليوم بأكمله، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، يشبه هذه المغارة ومزودها المعدم بظرفه العسير وبفقر أبنائه وصقيع قلوب مسؤوليه الذين تناسوا مسؤوليَّاتهم فحوَّلوه مغارة لصوص. لكنّكم أنتم خير دليلٍ على أنَّهم لن ينجحوا بطمس حقيقة الميلاد الإلهيَّة الثابتة. فمعكم، العوز والفقر الروحي ما يزالان بعيدَين عن هذه البقعة من بقاع الله – والحمد لله! وهذه هي الفرصة: أنَّ الخيار اليوم خيارنا المشترك على المستوى الفردي والجماعي لننفض الغبار عن مغارتنا الحبيبة، عن لبنان، ونهيِّئه بيتًا للابن، يشبه مغارة بيت لحم أفراتة بتواضعه وقداسته.

اليوم، لا مجال لليأس والخوف والخضوع لروح الكآبة. بل على العكس، لننظر في سرِّ التجسُّد؛ سرِّ الله المُعتلن لنا في ملء الزمان، ذاك العظيم خالق السماوات والأرض وسائسها، وقد ظهر طفلًا صغيرًا ضعيفًا مُخليًا ذاته، صائرًا في شبهنا (في 2/ 7). وهو الذي يقول عنه إشعياء النبي “إِنَّه يولد لنا ولدٌ ونُعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أَبًا أَبديًّا، رئيس السلام” (9/ 6). 

هذا الطفل الإلهي، يأتينا برسالة سلامٍ إلى بلد الرسالة، ويحمل إلينا الرجاء الذي لا يخيب، والفرح الذي لا تُضنيه ضيقة وشدّة. فكيف نخاف والله معنا! عمانوئيل (مت 1/ 23)، ونحن حمَلة الوعد البولسي بأنَّه إن كان الله معنا فمن علينا! (رو 8/ 31)؟ لا بل نحن مدعوُّون لنُخيف الظالمين بإيماننا وثباتنا وفرحنا ورجائنا ومحبّتنا وصبرنا وتغلُّبنا على الصعاب، على غرار الآباء القدِّيسين والمجاهدين في ميدان البطولة الإيمانيَّة. أنتم أبطال الإيمان اليوم إن ثبتُّم في محبّة الله المتجلِّية بميلاده، وإن عكستم حضوره، وأعلنتموه ملككم ورئيسكم، هو ذاك الطفل الصغير والإله القدير الذي أخاف هيرودس وهزّ عرشه. إنَّه الطفل الذي يخيف. أَسكنوه فيكم وأخيفوهم بمحبَّتكم، وأرهبوهم بإيمانكم، وغيِّروهم بنشر ثقافة السلام بينهم، وادعوهم إلى التوبة مع حلول ملكوت السماوات، وبشِّروهم ببشرى الإنجيل السارة، ليرَوْا هذه كلها فيكم، وليسألوا عن سبب الرجاء الذي فيكم (1 بط 3/ 15). قولوا لهم: لقد أبصرنا نورًا عظيمًا (إش 9/ 2).  لذلك لم يعد شرُّكم يخيفنا، ولن يستطع فسادكم من إفسادنا، أو إلغاء عشقنا للحقيقة والصدق والشفافية. 

بهذا الرجاء، وغبطة هذا المجد الذي حلَّ علينا، أتقدَّم منكم بالمعايدة القلبيَّة بمناسبة عيد ميلاد الربِّ يسوع، داعيًا إيَّاكم قائلًا: “المسيح وُلد، فمجِّدوه”؛ مجِّدوه واقرنوا تماجيدكم بتماجيد الملائكة معلنين: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرَّة” (لو 2/ 14). 

فليشملكم الطفل المولود بالصحة والعافية والعمر المديد، وليبارك عائلاتكم وليُجز هذه الكأس عن وطننا في أسرع وقت، لتكتمل فرحتنا بعودة دورة الحياة الكريمة إِلى طبيعتها.

ميلادٌ مجيدٌ وعامٌ مباركٌ وسعيدٌ.

خادمكم بالمسيح،

  إبراهيم مخايل إبراهيم،

رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيِّين الكاثوليك