فضل الله في ندوة “اللقاء الاقليمي للحوار الاسلامي المسيحي” من يتزعمون الواقع الطائفي لا يعيشون روحية الدين وأخلاقياته

فضل الله في ندوة “اللقاء الاقليمي للحوار الاسلامي المسيحي” من يتزعمون الواقع الطائفي لا يعيشون روحية الدين وأخلاقياته

دعا العلامة السيد علي فضل الله أصحاب راية الحوار والتقريب من أتباع المسيحية والإسلام إلى العمل للحوار وبناء دولة العدالة والمؤسسات التي لا تكون فيها الغلبة لطائفة أو فئة، محذرا من التطرف الذي لا بد من مواجهته بمعالجة أسبابه، مشيرا إلى استغلال الدين من قبل الطائفيين والمتطرفين في آن، داعياً إلى رفض الجمود والعمل للتجديد الديني وكشف الطائفيين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم.

ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة  ” اللقاء الاقليمي للحوار الاسلامي – المسيحي” الذي عقد في في فندق روتانا جفينور بدعوة من منتدى التنمية والثقافة والحوار ومؤسسة دانميشين الدانماركية والتي تعنى بالحوار والمواطنة والمساواة، وقد شاركت في اللقاء وفود من لبنان وسوريا والاردن والعراق ومصر والدانمارك، وشخصيات فكرية ودينية وتربوية واعلامية من مختلف المؤسسات التي تعنى بالحوار، اضافة لطلاب واعلاميين وناشطين واصحاب مبادرات حوارية محلية.

في بداية كلمته رأى سماحته أن العالم يشهد انحلالاً على صعيد القيم الأخلاقية وفقداناً للعدالة وغلبة للمصالح الخاصة على المبادئ والخروج حتى على المسلمات التي قامت عليها البشرية، وما نشهده من ظواهر عنف تأخذ مرة طابعاً طائفياً وآخر مذهبياً وآخر قومياً أو عشائرياً أو بين الدول، تُحمِّل أتباع هذين الدينين وكل الرسالات السماوية مسؤولية العمل لمعالجة كل هذا الواقع المزري والمأساوي. وهذا ليس خياراً بل هو مسؤولية لأن الالتزام بالرسالات السماوية هو التزام بالأهداف التي لأجلها وجدت هذه الرسالات وعمل على ما جاء بها…

وشدد على معالجة التطرف من خلال معالجة الأسباب التي أدت إليه، والتي من الطبيعي أنها لم تنطلق من مبادئ الإسلام الدين الوسط والذي جاء رحمة للعالمين، ولا من المسيحية التي كانت لخلاص البشرية ولزرع المحبة والتسامح في النفوس، بل من سوء فهم لما جاء في هذا الدين أو ذاك أو مما أدخل إلى الدين مما ليس فيه أو لجهل بأهدافه ومبادئه أو للتخلف الذي أضعف الدين…

وأشار إلى أنه لا بد من استمرار العمل في مواجهة هذا التطرف الذي لم يعد يأخذ طابعاً إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً، بل بدأ يتفشى حتى في الغرب العلماني متخذاً طابع العنصرية الفجة.

وشدد على أن الطائفي يتغطى بلبوس الدين وهو غير مبالٍ بقيمه ومفاهيمه، ظاناً أن قوة دينه من قوة طائفته، لذا تراه لا يتوانى عن الوقوف مع طائفته وزعمائها، حتى لو كانت ظالمة، ويدافع عن رموزها ولو كانت فاسدة، وهو لا يعتقد أنه بذلك ينزع عن الدين قداسته الروحية والأخلاقية، ويسيء إليه من حيث يحسب أنه يخدمه، وهذا الطراز من التدين هو خصم للدين وعدو له ولكل لون من ألوان الحوار والتقارب الديني والإنساني…

وأوضح أن من المفارقات الملفتة أن الذين يتزعمون الواقع الطائفي في بلادنا كثيرون منهم لا يلتزم بالدين، ولا يعيشون روحيته ولا يتسمون بأخلاقياته، ولكنك تراهم في غاية الفصاحة حين يروجون لدينهم، إلا أنهم لا يأخذون منه إلا عناصر الخلاف النافرة من دون النظر إلى كل المعاني الإيمانية والفكرية المشتركة، ولا يلتقطون من التاريخ إلا فترات الصدام الحادة متجاهلين تاريخ العيش المشترك ومحطات التعايش المشرقة في هذا التاريخ…

وقال: إن أصحاب راية الحوار والتقريب من أتباع الإسلام والمسيحية لا ينكرون ضرورة الحفاظ على كيان الطوائف التي ينتمون إليها، ويعملون للدفاع عن حضورها وحقوقها، ومواجهة من يتحرك لإقصائها أو يظلمها، ولكنهم يفعلون ذلك انطلاقاً من معايير العدل والخير التي توجه مواقفهم، ولذلك هم لا يتوانون عن الدفاع عن مصالح الطوائف الأخرى وحقوقها، بل يقفون معها إذا تعرضت للضرب والتهميش، انطلاقاً من المعايير نفسها، وتلك هي رسالة الدين في جوهرها التي أرادها الله رحمة ومحبة لكل البشرية لا لطائفة أو مذهب بعينه…

وفي مواجهة هذا المنطق، دعا سماحته إلى بناء دولة الإنسان، دولة المواطنة، دولة العدالة والحرية، الدولة التي لا تمييز فيها أو غلبة لطائفة على طائفة، لأن الغلبة باب لحروب أهلية فصولها لا تنتهي أو لحياة غير مستقرة وهشة، دولة تحفظ حقوق الطوائف ولكن ليس على حساب المواطنين وعلى التمييز في ما بينهم في الحقوق والواجبات.

وحذر من الجمود الديني، والذي تستغله القوى المعادية وتيارات التطرف للعبث بأوطاننا، وهنا يأتي التحدي الأبرز الذي ينبغي للعاملين في الميدان الديني الإسلامي ــ المسيحي مواجهته، وذلك من خلال السعي لتجديد الدين وإلباسه لبوس العصر الذي نعيش فيه، وبالارتكاز إلى القيم الروحية والإيمانية والمسلمات الإنسانية، وتطهيره من موروثات وشوائب شوهت صورته وهمشت إنسانيته.

ورأى أن التجديد في الفهم الديني لا يكتمل إلا بالتجدد الإيماني، أن نجدد إيماننا بأن نزكي نفوسنا من الأهواء والأنانيات والأطماع والفئويات والطائفيات، أن نجدد أيماننا بأن نطهر قلوبنا من العصبيات والأحقاد والكراهية… وأن نملأها بالخير والرحمة والمحبة لكل الناس، أن نعيش هذا الإيمان وخصوصاً في علاقات الرساليين بعضهم ببعض، لنتحرك معاً على قلب واحد في مواجهة هذه التحديات الكبرى…

وختم مؤكداً أن نجاحنا في هذه المهمات ليس فيه إنقاذ لمجمعاتنا من الاحترابات الأهلية والصراعات المجتمعية فحسب، بل إننا بذلك نعيد الاعتبار لمكانة الدين… ودور الدين… ووظيفة الدين… أن نعيد لله حضوره في العالم بعدما أماته الغرب وشوهه الشرق.