زارا تستحقُ أكثر من رسالةِ إنذارٍ وعتبٍ.. بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

زارا تستحقُ أكثر من رسالةِ إنذارٍ وعتبٍ.. بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما من مدينةٍ عربيةٍ إلا وفيها عشرات الفروع لشركة “زارا”، التي يرتادها المواطنون من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية أيضاً، وجميع الفئات العمرية من الجنسين، إذ تتخصص الشركة الإسبانية في بيع الملابس الرجالية والنسائية والولادية، بالإضافة إلى الأحذية والمحافظ الجلدية والعطور وأدوات الزينة والمكياج، وغيرها من المنتجات التي تتميز بها الشركة، وتبدع في تقديم المزيد والجميل منها، مما يرضي مختلف الأذواق ويلبي أغلب الرغبات، ويجعل منها شركةً رائدةً وناجحة.

لم يكن زبائن شركة زارا العرب يشعرون بأي حرجٍ عند ارتيادهم لفروعها المنتشرة في كل مكان، فهي شركةٌ إسبانية، يحبونها كما يحبون أندية بلادها الرياضية ورموز كرة القدم فيها، وقد اعتادوا على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وحقه في أن تكون له دولةٌ ووطنٌ وعلم، والرافض لسياسة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية الظالمة ضد الفلسطينيين، والمستنكرة للعمليات الاستيطانية ومصادرة الأراضي وطرد السكان والاعتداء على حياتهم وحقوقهم.

إسبانيا تعترف بالدولة الفلسطينية ولها سفير في عاصمتها مدريد، وفيها جالية فلسطينية كبيرة، تتمتع بكامل حقوقها، وتشكل جاليتها، وتعقد فيها أنشطتها، وتحيي المناسبات الفلسطينية العامة، التي يشارك فيها إسبانٌ رسميون وشعبيون، يعلنون فيها بجرأةٍ ووضوحٍ وصراحةٍ، تأييدهم لنضال الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إعلان تضامنهم معهم وتقديم المساعدات لهم، وقد سبق لها أن نظمت قوافل إغاثة للشعب الفلسطيني، كان بعضها بمبادرة الجالية الفلسطينية، لكن كثيراً منها كان بدعم وتشجيع ومساعدة الجهات الرسمية الإسبانية.

إزاء هذه المواقف السياسية الرائعة المؤيدة لفلسطين ونضال شعبها، أحب الفلسطينيون إسبانيا وأهلها، وشجعوا التبادل التجاري معها، ولم يسبق أن طالبوا بمقاطعتها وفرض عقوباتٍ عليها، إذ لم يروا منها إلا كل دعمٍ وتأييد، في حين دعوا إلى مقاطعة شركاتٍ فرنسية وإنجليزية ودنماركية وسويدية وغيرها، ممن توالي الكيان الصهيوني وتدعمها، ولعلنا سنرى قريباً في مونديال الدوحة، عاطفة الفلسطينيين تترجم إيجاباً تجاه إسبانيا، تشجيعاً لأنديتها الرياضية، وتأييداً لمنتخبها الوطني في مباريات كأس العالم كما يتجلى دائماً في مباريات كأس الأمم الأوروبية.

لكن الأيام القليلة الماضية حملت معها صدمةً عنيفةً، ومفاجأةً غير سارةٍ، أحزنت الفلسطينيين وخيبت ظنونهم، إذ نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، خبر رعاية وكيل شركة زارا في الكيان الصهيوني جوفي شوفل، لبعض الفعاليات الانتخابية للمرشح اليميني المتطرف ايتمار بن غفير، رئيس حزب البيت اليهودي الإسرائيلي، المحرض الأول على عمليات اقتحام باحات المسجد الأقصى، الذي يدعو وحزبه إلى طرد الفلسطينيين وترحيلهم، وإعلان دولة إسرائيل القومية للشعب اليهودي فقط، وإخراج كل من يرفضها أو يعارضها من حدودها.

يَعُزُ جداً على الفلسطينيين الذين يحفظون الموقف الإسباني المؤيد لهم، أن يطالبوا أبناء أمتهم العربية والإسلامية بمقاطعة شركة زارا، وعدم ارتياد فروعها والشراء منها، وسحب تراخيص عملها وإلغاء عقود استئجارها واستثمارها في التجمعات التجارية العربية الكبرى، على خلفية هذا الموقف المخزي والمشين للشركة، الذي يتناقض وعراقة علاقة إسبانيا بالعرب عموماً وبالفلسطينيين خصوصاً.

لكن الفلسطينيين لن يقبلوا من الشركة الإسبانية أقل من تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، والتأكيد على مواقف بلادها الداعمة للشعب الفلسطيني، وإدانة ما أقدم عليه وكيلها في الكيان الصهيوني، وإعلان البراءة مما قام به، وسحب ترخيص الوكالة منه، واستعادة كل الأموال التي تبرعت بها الشركة لتمويل حملة بن غفير الصهيونية، وإلا فإنها تغامر بسمعتها، وتفرط في حب المواطنين العرب لها، وإقبال الفلسطينيين على منتجاتها، وخسارة قطاعٍ كبير من الزبائن والأسواق العربية.