ورقة علمية لمركز الزيتونة تدرس نظرية الأمن في منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي

ورقة علمية لمركز الزيتونة تدرس نظرية الأمن في منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي

أصدر مركز الزيتونة أن ورقة علميَّة بعنوان “نظرية الأمن في منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الخلفية، والتحولات، والأسس”، وهي من إعداد الباحث الدكتور أشرف عثمان بدر. وتهدف إلى التعرّف على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، من خلال الإجابة على سؤال مركزي يتعلق بماهية النظرية الأمنية الإسرائيلية، وأبرز التحولات التي طرأت عليها. وذلك بواسطة إجراء مسح للأدبيات والمصادر الأولية؛ بدءاً من عقيدة الجدار الحديدي التي نظّر لها زئيف جابوتنسكي قبل إقامة الكيان الصهيوني، ومروراً بعقيدة الأمن القومي التي وضعها ديفيد بن غوريون في خمسينيات القرن العشرين القائمة على التجنيد إجباري وجيش احتياط من أفراد الشعب، وتحقيق الثالوث الأمني؛ والذي يتضمن: الردع، والإنذار، والحسم، بالإضافة إلى التقرير الذي أُعدّ سنة 2006 بواسطة لجنة رسمية برئاسة دان مريدور، واستراتيجية الجيش الإسرائيلي لسنة 2018، والمبادئ التوجيهية للأمن الإسرائيلي التي وضعها رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، ونظرية الأمن الإسرائيلي التي وضعها اللواء المتقاعد يعكوف عميدرور.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في استعراضها وتحليلها لمصادر أولية لم تتطرق لها معظم الأدبيات المنشورة، وتجادل الدراسة بحصول تغيّرات وتحولات في النظرية الأمنية الإسرائيلية، كنتيجة لفاعلية المقاومة وتأثير القوى الإقليمية، وانعكاس ذلك لانتهاج استراتيجيات وخطط أمنية متنوعة، قائمة على تعزيز الردع. بالإضافة إلى التناقضات الداخلية، التي تضعف الفرضية السائدة بأن منظومة الاستعمار الاستيطاني عبارة عن بنية ثابتة، ويعزز الادعاء بأن الاستعمار الاستيطاني عبارة عن عملية متغيرة ومسار متطور، يخضع لتأثير الفاعلين الداخليين والخارجيين والتنقاضات الداخلية، ويحكمه منطق السعي للتحكم والضبط والسيطرة.

أشار الباحث إلى أن الاستعمار الاستيطاني، والأمن القومي لهما علاقة بنظرية الأمن الإسرائيلي. وإن فاعلية المقاومة والتغيير من محاربة الجيوش النظامية إلى الجيوش غير النظامية قادت إلى تحول في النظرية الأمنية من تبني مفهوم الحسم إلى تبني مفهوم النصر الكافي. وما كان هذا التغير ليحصل لولا صمود المقاومين وإصرارهم المرة تلو الأخرى على إعادة ترتيب صفوفهم، بعد الضربات العسكرية التي تعرضوا لها، وبالرغم من التفوق النوعي للقوات الإسرائيلية.

وأوضح الباحث أن الجيش الإسرائيلي تبنى استراتيجيات تسهم في تحقيق النصر الكافي لا الحسم، بهدف إيجاد حالة من الردع؛ كاستراتيجية المعركة بين الحروب، وجز العشب، وعقيدة الضاحية. كما أنه أضاف عنصر الدفاع، القبة الحديدية وبناء الملاجئ، لصدّ هجمات الفدائيين والمقاومين، وحرب السايبر في هذه الاستراتيجية.

وأوضح أيضاً أن اعتماد “إسرائيل” استراتيجية “عقيدة الضاحية” لا يعود فقط إلى تحقيق حالة من الردع، أو لترميم الردع المتآكل، وإنما يعود أيضاً لضعف المستوى الاستخباراتي، الإنذار المبكر، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على توفير معلومات دقيقة عن المقاومة، مما يقلِّص من بنك الأهداف لسلاح الجو الإسرائيلي.

وأضاف أنه تمثلت التغيرات والتوجهات في بيئة الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي على المستوى الخارجي؛ بثورات الربيع العربي والتطبيع، وعلى المستوى الداخلي؛ بتزايد حدّة الشروخات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والداخلية، مما دفع صانعي القرار إلى إضافة بعض الأسس المتعلقة بحماية الجبهة الداخلية؛ فركّز غادي آيزنكوت في خطته على ضرورة الاهتمام بما أسماه الأمن الاجتماعي، لزيادة المناعة الأمنية، وامنع الخطر الوجودي الذي يتهدّد “إسرائيل”. والأمر نفسه دفع دان مريدور في تقريره للدعوة إلى تعزيز الجيش النظامي داخل الجيش الإسرائيلي وتوسيع مفهوم “جيش الشعب” الذي وضعه بن غوريون، بحيث يشمل الخدمة المدنية، في محاولة لتجسير الفجوة بين المتديّنين والعلمانيين، وكاستجابة للدعوات بـ”المساواة بالعبء” بين المتدينين الذين لا يخدمون بالجيش، والعلمانيين الذين يقع على عاتقهم عبء التجنيد الإجباري.

وتخلص الدراسة إلى استنتاج يعزز الادعاء بأن منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي يحكمها منطق التحكم والضبط والسيطرة، وبأن سياساتها عبارة عن مسار وعملية متطورة تخضع لتأثير الفاعلين. وأن تعديل وتطوير مبادىء الأمن القوي الإسرائيلي يهدف إلى ضمان وجود “إسرائيل”، وإيجاد رادع مفيد، وتقليل التهديدات، وتأجيل النزاعات، وتبني المفهوم العسكري الهجومي، والتأثير على موازين القوى في المنطقة، وتعزيز الوضع الاستراتيجي لـ”دولة إسرائيل”.