المرتضى: المطران كابوتشي اسقف صرخ، كما يليق بالاسقف، بأن الحقَّ لا يسوِّغُ المحاباةَ ولا الحيادَ في كيفية التعاطي مع العدو الاسرائيلي

المرتضى:  المطران كابوتشي اسقف صرخ، كما يليق بالاسقف،  بأن الحقَّ لا يسوِّغُ المحاباةَ ولا الحيادَ في كيفية التعاطي مع العدو الاسرائيلي

المرتضى:
المطران كابوتشي اسقف صرخ، كما يليق بالاسقف، بأن الحقَّ لا يسوِّغُ المحاباةَ ولا الحيادَ في كيفية التعاطي مع العدو الاسرائيلي.
المطران كابوتشي: أسقفٌ، كما يقتضي بالأسقف، قاومَ بالجُبَّةِ والعصا، وبالصليبِ يُشْهره في وجه هذا الاحتلال، وبالبندقية يشتريها ويخَبّئُها ليوصلها إلى المقاومين.

اكد وزير الثقافة القاضي محمد وسام ان المطران هيلاريون كبوجي كان الصوت الصارخ في برية الامم :”بأن من واجبات رجلِ الدين أن يخدمَ شعبَه بإعلاءِ هيكلِ القيم في نفوسِهم، وأولُها الشجاعةُ في رفض الاحتلال بالقولِ والفعل والفكر، وفي مقاومةِ ممارساته الهمجية على البشرِ والحجرِ والإيمانِ والتراثِ الوطني، وعلى التاريخِ والجغرافيا والانتماء،وان قضية فلسطين قضية انسانية يحملها المسلمون والمسيحيون معًا ،وجرح فلسطين شأن جميع الاحرار في العالم .
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته حفل تكريم المطران هيلاريون كبوجي في قصر الاونيسكو لمناسبة مرور مئة عام ولادته وتكريما لعطاءاته ونضاله في خدمة شعبه بدعوة من لجنة إحياء ذكرى المطران بحضور حشد من السياسيين والشخصيات الدبلوماسية والروحية والفعاليات والهيئات الثقافية والاجتماعية.
واستهل وزير الثقافة كلمته بقصيدة للشاعر محمود درويش كانت تسمى فلسطين ،صارت تسمى فلسطين “على هذه الأرضِ ما يستحق الحياة:
عشبٌ عَلَى حجرٍ، أُمَّهاتٌ تَقِفْنَ عَلَى خَيْطِ ناي، وخوفُ الغُزَاةِ مِنَ الذِّكْرياتْ.
هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ بَاسِمين، وَخَوْفُ الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ.
عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ:
عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ.
كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين.
سَيِّدَتي (يا قدس): أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.”

​وقال المرتضى :”لعلَّ هذه القصيدةِ لمحمود درويش تصلحُ لأن تكون نُبذةً من سيرةٍ مختصرةٍ لرجلٍ كانت فلسطينُ عنده البداية والنهاية من أولِ ما رأى جُرحَها البحريَّ حتى أغمضَ عينَي ذاكرتِه على أنوارِها المقدسية.

واضاف :”رجلٌ قادته خُطا مسيرته الشخصيةِ والدينية والوطنية، وهي كلُّها مسيرةٌ متَّحدةُ الصفاتِ، بل واحدتُها،…قادته، من حلبَ في الشمال السوري، جَنوبًا إلى لبنان فدمشقَ فالقدسِ فالسجن، فالحرية التي كانت أشدَّ قسوةً لأنَّ ثمنَها كان ضدَّ إرادته، كان ثمنها منْعَه من دخولِ فلسطين، ومن أين لمثله أن يرتاح لفكرة منعه من الوجود في القدس وهي التي لأجلها كان يرى أنه يستحق الحياة.”

وتابع :”أسقفٌ، كما يقتضي بالأسقف، قاومَ بالجُبَّةِ والعصا، وبالصليبِ يُشْهره في وجه الاحتلال، وبالبندقية يشتريها ويخَبّئُها ليوصلها إلى المقاومين.
أُسقفٌ أبصر وجه المسيحِ في وجوه أبنائه المقتولين والمشرّدين والمعتقلين، ورأى الكنيسةَ في كلِّ مسجدٍ تهدَّم أو اقتُحم، وفي كلِّ قريةٍ طلَعت شمسُها على تفجيرٍ وتهجير.
أسقفٌ تذكَّر بلا انقطاع أن يسوع سمّى اليهودَ أولادَ الأفاعي، وقتلَةَ الأنبياء، والخارجين على الشريعةِ وعبدةَ المال. وأيقن أن فلسطين التي اغتصبَها شُذّاذُ الآفاق، ما لم تعد الى أصحابها، فلن يكون سلامٌ في الأرض كلِّها.”

واردف المرتضى:”هذا هو المطران هيلاريون كابوتشي رحمه الله، أسقفُ الحق الإنساني ومطرانُ البطولة المضحّيةِ من أجل القيم.
​ميزة هذا الرجل أنه كان الصوتَ الصارخَ في بريّةِ الأمم:
• صرخ بأن فلسطين قضية إنسانيةٌ يحملُها المسلمون والمسيحيون معًا، ضدَّ الصهاينة المغتصبين الذين يعملون على بثّ التفرقة بين أبناء الشعب الواحد ليَسْهُلَ عليهم ابتلاعُ حقوقهم أجمعين.
• صرخ بأن فلسطين لا يختصُّ بجرحِها من يقيم فيها فقط، بل هي شأن جميع العرب، بدءًا من السوريين واللبنانيين، حتى أقاصي بلاد الناطقين بالضاد في المشرق والمغرب. بل هي شأن جميع الأحرار في العالم إلى أيِّ جنسيةٍ انتسبوا.

• صرخ بأن من واجبات رجلِ الدين أن يخدمَ شعبَه بإعلاءِ هيكلِ القيم في نفوسِهم، وأولُها الشجاعةُ في رفض الاحتلال بالقولِ والفعل والفكر، وفي مقاومةِ ممارساته الهمجية على البشرِ والحجرِ والإيمانِ والتراثِ الوطني، وعلى التاريخِ والجغرافيا والانتماء.

• صرخ بأن الحقَّ لا يسوِّغُ المحاباةَ ولا الحيادَ في كيفية التعاطي مع العدو وإنتهاكاته وإفرازاتِه على أرضِ الواقع، منطلقاً من قول السيد المسيح: “أتيتُ إلى العالمِ لأشهدَ للحق”، فالشهادة للحق معنى وجودنا في الحياة على هذه الأرض. متماهياً بذلك مع ما يأمرنا به ايماننا نحن المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم: ” لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ” صدق الله العلي العظيم.

ولفت المرتضى الى انه :”تحت هذه العناوين كان مطران الإنسانية الجريحة في فلسطين يرعى شعبَه وقضيةَ شعبِه المقدسة. لم ينلْ منه خوفٌ ولا تردد، وحين ألقي عليه القبض متلبّسًا بشرف دعم المقاومين، )كما يليق بالأسقف الذي لا يليق به دعم غير الشرفاء أو التماهي مع العملاء) لم يرفضِ المثول أمام ما يسمى جَوْرًا “المحاكم الإسرائيلية” على الرغم من عدم اعترافه لا بالكيان الغاصب ولا بمؤسساته.”

لكنه، والكلام لوزير الثقافة :”على خطا السيد المسيح البريءِ من أي ذنبٍ، الذي ارتضى أن يمثل بملءِ إرادته في المحاكمة أمام بيلاطس كما يروي الإنجيل، هكذا وقف المطران كبوتشي محاكِمًا لا محاكَمًا، ليذهبَ القضاةُ والسياسيون الصهاينةُ إلى قبر النسيان، ويبقى هو في أعلى قمةٍ من قمم الضمير الإنساني.”

واستطرد المرتضى :”لم يحبَّ القدس لأنها موطن السيد المسيح فقط، أو لأنها كرسيُ أسقفيّته فحسب، بل لأنها قضية شعبٍ عانى بكل شرائحه أبشع أنواع الاحتلال والظلم والاضطهاد والتشريد والسَجن والقتل، على أيدي حفدة لصوص الهيكل، الذين طردهم منه يسوع، فأثبت نضاله للأجيال كلها أن فلسطين من الماء إلى الماء ستعود لأهلها الحقيقيين، رغم سنوات الجَدْبِ التي استشرت فيها الخيبات وانتشرت دعوات التطبيع.”

وبالحديث عن التطبيع، اوضح المرتضى:”نكرر ما قلناه سابقاً بأننا ندعو إلى التطبيع بل نقطع جزماً ويقيناً أنّه لا مناص من التطبيع. لكن التطبيع لغةً ومنطقاً هو جعلُ الأمرِ موافقًاً للطبيعة أمّا الإحتلال الاسرائيلي فهو مخالفٌ للطبيعة مناقضٌ للقيم الدينية والإنسانية ومجافٍ للشرائع الدولية والحقوق الوطنية والقومية،
لذلك، فإنّ التطبيعَ الحقيقيَّ، الذي ندعو اليه، والذي نرى أنه لا محيد عنه حتى يستقيم السلام في بلدنا وفي منطقتنا، يكونُ بإعادة الأمور إلى طبيعتِها،
أي بإجتثاث الاحتلال وتحرير الأرض واسترجاع الحقوق، فلا والف لا للتسليم بالإحتلال أو لتسويق العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية لا معه ولا مع عملائه.”

وختم المرتضى:”لن أتحدث في أسطول الحرية، ولا في جرح الحرب الأهلية اللبنانية، التي عاش المطران بعض سنيها في سجن الاحتلال، ولا في جرح الحرب السورية التي اخترمَت شيخوختَه وأدمتْ صلاتَه، فذلك كلُّه ليس سوى أجزاءٍ فُرادى من أصل واحد، هو إغتصاب فلسطين وزرعُ الحروبِ حولَها لينعمَ المستوطنون… أو هكذا حسِبوا. لكنني أودُّ أن أختم كلمتي بما أشعرُ به من فرحٍ أن صاحب السيادة حارسَ القدسِ وقضيتِها أغلق عينيه على انتصاراتٍ أحرزها المقاومون في لبنان وفلسطين، فتوسَّدَ الموتَ الجسديَّ مطمئنًّا إلى أن روزنامةَ زوالِ الاحتلالِ بدأت تتساقط أوراقُها، وهو الآن من عليائه ينظرُ الى جيلٍ من الصادقين المؤمنين، سوف يمضي قريبًا زحفًا إلى بيت المقدس ليقيم الصلاة في المسجد الأقصى وفي كنيسة القيامة، ابتهاجًا بالتحرير الناجز. على هذا الرجاء نُهدي ذكراه ألفَ شمعةِ حبٍّ وألفَ مِبخرةِ صلاة.
السلام عليه في يوم ولادته ويوم يبعثُ حيا.