كلمة المحامي عمر زين في المجلس

كلمة المحامي عمر زين في المجلس

برعاية وحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب احيا المجلس اليوم الرابع من عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس بحضور شخصيات سياسية ونيابية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين، وتلا المقرئ أنور مهدي ايات من الذكر الحكيم، وقدم الحفل د. غازي قانصو ، والقى الامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب المحامي عمر زين كلمة قال فيها: إنّه شهْرُ مُحرّم …شهْرٌ وَقَعَتْ في أيّامِهِ العشرةِ الأولى، ملحمةُ الطّفِّ بأرضِ كربلاء… يومَها خَرَجَ الإيمانُ كُلُّهُ الى الجاهليّةِ كُلِّها، فكانت المواجهةُ التي حَصَّنَتِ الإسلامَ منْ ضياعِ هويّتِهِ، عقيدةً وشرعاً وثقافةً وخطاباً، وذلكَ من خلال الثّمن الدّامي الذي قَدَّمهُ آلُ بيتِ رسولِ الله، وفي طَلِيعَتِهِم الإمَامُ الحسينُ – سِبْطُ رسولِ الله- ونَجْلُ أميرَ المؤمنين عليّ، صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم أجمعين.

لا تُحْصى الرّثائيّاتُ التي مَجّدتْ وَقْفةَ الحُسينِ في وجْهِ طاغيةِ عصْرِهِ وحفيدِ آكِلَةِ الأكْبَادِ، يزيد بن معاوية بن ابي سُفْيان، ولعلَّ مِنْ أبرزِ مَنْ زَلْزَلَهُ إستشهادُ الحسين، هو الإمامُ الشافعيُّ – رضوانُ اللهِ عليه – الذي ذاعتْ له قصائدُ أهمُّها رثائيَّتُهُ التي قالَ فيها:

تَـــــأَوَّهَ قَلبــــــي … والفـــؤادُ كَـــئـيـــــبُ             وأُرِّقَ نَومي فالسُّهـادُ عَجيـــبُ

ذبيــــــحٌ بــــلا جُــــرمٍ كـــأنَّ قــميـصَــــهُ             صبيغٌ بماءِ الأُرْجُوانِ خَضيـبُ

تــــــزلـــزلـــــتِ الـــدُّنــــيـــا لآلِ مـــحـــمّــدٍ              وكادتْ لهم صُمُّ الجبالِ تَذوبُ

يُصلَّى على المبعوثِ من آلِ هاشمٍ           ويُــغـــزَى بَنــوه، إنَّ ذا لَعجيــبُ

لَئــــنْ كـــان ذنـــبـــي حـــبُّ آلِ مــحمّدٍ            فــذلك ذنـــبٌ لستُ عنْه أتـــوبُ

ونعلمُ جميعاً أنّ الامام الشافعي – رضوانُ الله عليه – علاّمةٌ مجتهدٌ وفقيهٌ مُدقّقٌ قُرشيّ الاب والام، يحفظُ القرآنَ والحديثَ ويعرفُ إجماعَ الصحابةِ، وهو صاحبُ المذهبِ الذي يحملُ إسمَهُ والذي يتَبَوّأ صدارةَ مذاهبِ أهلِ السُّنة والجماعة…

كانَ الحسينُ مُدركاً بِحُكمِ نَشْأتِهِ في حُضْنِ جَدِّهِ المصطفى، أنَّ يزيداً لا يملكُ ما يؤهّلُهُ لإمْرةِ وقيادةِ الامّة، وإنّ لموقعِ الخلافة مسؤولياتٍ وتَبِعاتٍ لا يُقاربُها يزيدُ الذي تشرَّبَ أحقادَ البيئةِ الجاهلية، ولم يتقبّلُ ما أحدَثَهُ الاسلامُ من قِيَمٍ اخلاقية ومبادئَ اجتماعيةٍ وانسانيةٍ، بِسَببِ الغِّلِّ الذي كانَ يتأَجَّجُ في البيتِ الذي يرأَسُهُ جَدُّهُ أبو سفيان… هذه الحقائقُ البارزةُ، حَمَلتْ الحسينَ على الامتناعِ عن مبايعةِ يزيد وَليَّاً على شؤونِ الامّةِ، اليه تعود الإمْرةُ والكلمةُ الفَصْلُ في أحْوالِهم وأوضاعِهم.

خرجَ الحسينُ سلامَ الله عليه، طالباً الاصلاحَ في أمَّةِ جدِّهِ… وكان أن اعترضَ مسيرتَهُ، جيشُ يزيد بن معاوية، فتكالَبَتْ عليهِ كتائبُ المشاةِ والخيّالة، الى أن استشهدَ الامامُ وانصارُهُ وأُحْرِقَتْ خيامَهم، وسِيقَتْ النساءُ سبايا الى مقرِّ يزيد بالشام، مروراً بمدينةِ الكوفة، حيث احتشدتْ الجموعُ مذْهولةً، باكيةً من هَوْل المشاهد… فأطلقتْ زينبُ ساعتئذٍ صرخَتها المدوّية وقالتْ للناس:

(أتَبْكون؟؟ فلا سكنَتْ العَبْرةُ، ولا هَدَأتْ الرّنّةُ… إي والله!! فأبْكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلَقَدْ ذهبْتُم بِعارِها وشَنارِها… لقد جئتم شيئاً إِدّاً تكادُ السماوات يَتَفَطّرْنَ منه وتَنْشَقُّ الأرضُ وتَخُرُّ الجبالُ هَدّاً…)

ومضى موكبُ السبايا الى أنْ دخلَ على يزيد في مقرِّ سلْطانِهِ، فَبَادَرَهُم بعبارتهِ التي كشَفَتْ ما في صَدْرِهِ من حِقْدٍ اسْوَد، وقال مُتَشَفِّياً: (يومٌ بيوم بَدْرٍ…) هكذا قالها إبنُ الطُّلَقَاء، بلا حَرَجٍ ولا حياء… ما أثْقَلها من كلمةٍ وما أخْبَثَها من عبارةٍ… ثمّ خاطبَ زينباً، والشّماتَةُ تأكُلُ وجْهَهُ: (كيفَ رأيتِ صُنْعَ الله فيكم؟؟) فجاءَهُ الردُّ صاعقاً متعالياً: (والله ما رأيتُ إلاّ جميلاً…)

لم تَدَعْ زينبُ يزيداً يَسْكَرُ فَرَحاً واغتباطاً بمصارع الهاشميين من آلِ بيت رسول الله!! كانت السيدةُ زينب، عليها سلامُ الله، في قمّةِ شُعورِها بالثّباتِ ورباطةِ الجأش والتّماسك، ممّا نَغَّصَ على يزيد وأجلافِهِ من الأعاريب، نَشْوَةَ ما اقترفوه من فظاعات وتقتيل وقطْعٍ للرؤوس.

وقد سجّلَ التاريخ أن السيدة زينب، برباطة جأْشها وطلاقةِ لسانِها وحضورِها المُدوّي، كانت الحصْنَ الحصين الذي حفظَ عقيدةَ ومكانةَ ومهابةَ آلِ بيت رسول الله، يومَ تَثَاقَلَ الناسُ عن نُصْرةِ دينِهم ومعتقداتِهم، ولسانُ حالِهم يقولُ للإمام الحسين: إذهبْ أنت وربّك فقاتلا… إنّا ها هنا قاعدون…

لقد بلّغَ الإمام الشهيد رسالته الخالدة يوم واجَهَ وحيداَ، جيشاَ جرّاراً لكي يحفظُ الدينَ والايمانَ، ولكي يستنهضَ الناسَ كُلَّما سادَ الطُغْيانُ ونُحِرَتْ العدالة والحقوق، وها نحن اليوم، نعيشُ ثقافةَ المقاومة والجهاد في ملحمة العَصْر في فلسطين، حيثُ تندفعُ العيونُ الفلسطينية لِتكْسرَ المخارزَ الصهيونية ولِتكون كلمةُ الله هي العليا، في الدفاعِ عن الاقصى والاماكن المقدسة، في الحفاظِ على عروبةِ القدسِ وارضَ فلسطينَ، في النضالِ لتحريرِ فلسطينَ منَ البحرِ الى النهرِ، في الدفاعِ وتحريرِ الاسرى والمعتقلين في سجونِ الاحتِلالِ الصهيوني، وحيث يعيشُ أبناء الارض المحتلّة شعارَ (كلُّ يومٍ عاشوراء وكل أرضٍ كربلاء)!

السّلامُ عليكَ يا سِبْطَ رسول الله وعلى الارواحِ التي حلّتْ بِفَنائِك…

وأخْتَتمُ كلمتي بالموقفِ الوجداني الذي صَاغَهُ شِعْراً، الإمام الشافعي رضوانُ الله عليه، حيث يقول:

يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ                 فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَـــهُ

يَكْفيكُمُ مِن عَظيمِ القَدْرِ أَنَّكُـــمُ                مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم، لا صَلاةَ لَهُ

وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسيني.