المطران ابراهيم ترأس قداس الفصح : فليكن فصحُ هذا العام عبورًا للبنان نحو الاستقرار والازدهار

المطران ابراهيم ترأس قداس الفصح : فليكن فصحُ هذا العام عبورًا للبنان نحو الاستقرار والازدهار

ترأس رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رتبة الهجمة وقداس عيد الفصح في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة بمشاركة كهنة الأبرشية وحضور النائب جورج عقيص، عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب، رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل المهندس اسعد زغيب، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة وعدد كبير من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس القى المطران ابراهيم عظة توجه فيها بتهنئة المؤمنين بقيامة المسيح وقال :

” المسيحُ قامَ. حقًّا قام!

في عالَم تلفُّه ظُلماتُ الحروبِ والمآسي، يُشرقُ نورٌ من داخل حُفرةٍ مِن المُفترض أنَّها كانت قبرًا ذا عتمةٍ دامسةٍ لا تحوي إلاَّ جسدَ إنسانٍ في رَيعِ شبابه، عُذِّب وصُلِب، ومات ودُفِن فيها. واليومَ وبعد أكثر من ألفي سنة لم يستطع أحدٌ أن يوقف توهُّج النور من ذلك القبر الخالي. كما أنَّ أحدًا ما استطاع يومًا أن يُلغي الحقيقةَ دائمةَ التجدُّدِ بأنَّ المسيحَ مات ثمَّ قام منتصرًا على الموت وكلِّ رموزه. نعم! إنَّ الحياة، في مَن قال إنَّه هو الطريق والحقُّ والحياةُ، قد انتصرت على الموت انتصارًا أبديًّا وثابتًا. لكن هذه الحقيقة لا تروق لِمَن لا يؤمنون بها، فيعتبرونها ضربًا من ضروب الأساطير والأضاليل، حتَّى انبرى بعضُهُم لمحاربتها بكلِّ ما أُتوا من قوَّة ومالٍ. فرؤوسُ الأموال التي تُصرَفُ اليوم في العالم على تغذية الإعلام المناهض للكنيسة هي أحدُ الأمثلة التي تُظهر لنا مدى العَداءِ الذي يُضمِرُهُ ويُظهِرُهُ أولئك. لكن قوَّة الكنيسةِ، تكمن في ثباتها، في ضعفها، في تواضعها، وفي كونها ضمير العالم في الدفاع بالطُرُقِ السلميَّة عن كرامة الإنسان وعن حقوق الضعفاء، مُستلهمةً كنوزَ الروحِ المعطاةَ لها، وعملَ النعمة الإلهيةِ الذي لا يتوقَّف.”

وأضاف ” البابا فرنسيس يطمئننا قائلاً: “إذا كنَّا نشعر أننَّا ضعفاء، غيرُ ملائمين، وغيرُ قادرين، يجب ألاَّ نتضعضع، لأنَّ “الله لا يبحث عن وسائل قديرة، فقد هزم الشرَّ عن طريق الصليب.” هذا هو سلاح الكنيسة الذي أوصلنا إلى مجد القيامة.

فعندما نتكلَّم عن القيامة، نتكلَّم عن قوَّة المحبَّة التي صارت للناس بيسوع المسيح حضارة المحبَّة. إنَّ إيماننا بقيامة المسيح، يُدْخِلُنا في هذه الحضارة، ويقويِّنا على زرع ثقافة الحياة في وجه ثقافة الموت. لا يوجد حالة أخرى بين الموت والحياة. فإن كنت تؤمن بقيامة المسيح، فقد اخترت ثقافة الحياة تلقائيًّا. أمَّا إن آمنت بأنَّ الموت هو نهاية وجودِك، فبأيِّ ثقافة تُبشِّر؟

الملحدُ قد يجيبك بأنَّه يعمل للحياة ما دام فيها، لكنَّه متى مات، فلن يكون له بعدُ وجود! هؤلاء يُألِّهون الكونَ، من هرقليطوس Heraclitus حتَّى يومنا هذا. يلحدون، كلٌّ على طريقته، الإلحاد عينَه، لأنَّ الكون بالنسبة إليهم ليس إلاَّ مجموعة حوادث. هو “خالقُ” نفسه بنفسه، بالإِحداث لا بالخلق، ولا شيء قبله أو بعده. فِكرةُ الخالق والمخلوق غيرُ واردة عندهم، فالكون لهم كالله لنا. هم يَسحَرُهم الكون، ونحن يَسحَرُنا الكائن المكوِّن. هم يعشقون الفلسفة، ونحن نعشق اللاهوت. هم يغرقون في بحر المادَّة، ونحن نغرق في بحار الروح اللامتناهية. هم يسلكون مسارًا لا بدَّ من أن يتحوَّل مع الزمن إلى خمول وتقاعس، ونحن يحفِّزنا الإيمان إلى سلوك دروب الكدِّ والجَهد. لم تعد لهم في الكون ألغازٌ! وهم لا يستغربون شيئًا، ولا يَبهَرُهُم جديد. أمَّا نحن، فنبقى في انبهار دائم أمام الكون والحقائق الإلهيَّة. إلحادُهم، يقودُهم نحو نزْعاتهم ونزْواتهم، ويصيرَ لهم كبحُ النزْوةِ وقهرُ الغريزة ضلالاً وجهالةً. ألدُّ أعدائهم قيامةُ المسيحِ لأنَّها تنافي إلحاديَّتهم التي لا تؤمن إلاَّ بالمادَّة والحركة. لكن، لكي لا أُساءَ فَهمًا، أُدركُ أنَّ الحُكمَ على المؤمنين والملحدين هو من اختصاصات الله وحدَه. فهو ديَّان الجميع على حدٍّ سواء. وأنا مدرك أيضًا أنَّ كثيرين ممَّن يدَّعون الإيمان هم ملحدون عمليُّون. وكما قال البابا فرنسيس: “هُم يُسهِمونَ في مضاعفة الشرِّ المتواجد في العالم.””

وختم ابراهيم عظته قائلاً ” الفصحُ، أيُّها الأحبَّاء، ليس إلاَّ ولادةً جديدة، تُبْعِدُ عن الإلحاد، لأنَّه صنوُ الموت والفناء. وتقود إلى رؤية الحقيقة كما هي، في عفويَّتها وبساطتها، لنبدأ مع الله حديثَ الصديق مع الصديقِ، والابن مع أبيه. الفصح هو نهاية الاغتراب والنقلةُ النوعيَّةُ من النفور إلى الحضور، ومن المُرَّة إلى الحلوةِ، ونهايةُ القلق من ألاَّ يكون لنا وجود. الفصحُ هو انفتاحُ كيانيٌّ كاملٌ على الله: لقد أصبحتُ في حضرته.

كلُّنا يعرف أنَّ التزويرَ هو أحدُ أكبرِ المخاطر في العالم. كذلك أيضًا، أحدُ أكبرِ المخاطر على الكنيسة، هم المسيحيُّون المزوَّرون إكليروسًا كانوا أم عِلمانيِّين. الذين، أيًا كان الثمن، يريدون أن تكون لهم في الكنيسة الكلمةُ الفصل والحُكمُ الأخير. هذا ينطبقُ على الوطن أيضا، إذا صرنا في قبضةِ مسؤولين ومواطنين مُزَوَّرين.

صلاتي أن يُعيدَ الله عليكم جميعًا هذا العيد المجيد، فننهض جميعًا من كبواتنا وهفواتنا لنرتفع إلى مَن يرفعنا إليه، فنطويَ صفحاتِ الحِقدِ والغضبِ والثأرِ والعنفِ والانقسامِ، ونفتحَ صفحاتِ المحبَّةِ والتوبة والغفران. وليكن فصحُ هذا العام عبورًا للبنان خاصَّة، نحو الاستقرار والازدهار والسلام والوئام وأنوار القيامة الحقَّة.”

وبعد القداس استقبل المطران ابراهيم المهنئين في صالون المطرانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *