انتصارٌ ثمين في قضية الأملاك العامّة البحرية: حكومة سلام تستردّ مراسيم ميقاتي

في خطوة ممتازة، استردّ مجلس الوزراء مراسيم إشغال الأملاك البحريّة الثلاثة التي كانت اتّخذتها وأصدرْتها حكومة نجيب ميقاتي في أسابيعِها الأخيرة، خلافًا للقوانين المعمول بها. وإذ يشكّل هذا القرار انتصارًا للشرعيّة والملك العامّ، فإنه يأذن بوقف نزيف سلعنة الشاطئ وخصخصة استعماله ويمهّد لبدء مسار طويل لاسترداد الأملاك البحريّة المنهوبة ونقض ما صنعته حرب 1975-1990 والفوضى التي سادت من بعدها. وهنا، وبانتظار نشر المراسيم في الجريدة الرسمية، لا بدّ من التذكير بالأمور الآتية:
انتهكت الحكومة السابقة في جلساتها الأخيرة، نظام إشغال الأملاك البحرية، من خلال إصدار ثلاثة مراسيم أدّت إلى قضم ما يقارب 150 ألف متر مربع من الأملاك العمومية البحرية، وهي المراسيم الآتيّة:
المرسوم الأوّل (ورقمه: 14331)، في البحصاص، وقد منح منتجع بالما السياحي 76140 م2 من الأملاك البحرية، بناءً على القانون 64/2017 الذي سمح بمعالجة التعديات الحاصلة قبل 1994 في حين أن المخالفات التي سوّاها تعود إلى عامي 2011-2012. وإذ شكّل هذا المرسوم الحالة التطبيقية الأولى لقانون 64/2017 الهادف إلى معالجة التعديات الحاصلة في زمن الحرب، فإنه سخّر هذا القانون لتشريع مزيد من التعديات على الشاطئ بدل حصرها. ومن شأن أيّ تساهل أو تغاضٍ عن خطورة هذا المرسوم أن تفتح الباب أمام مئات المراسيم المشابهة في معالجة تعديات الحرب.
والمرسوم الثاني في ذوق بحنين – عكّار (ورقمه: 14379)، أجاز لأفراد من آل دبّوسي بأشغال أكثر من 53 ألف م2 لإنشاء ميناء (أي منح امتياز) من دون تحديد وجهة استعماله وإن رجح أنها ستكون لغايات تفريغ حمولات نفطية. وهنا أيضا شاب المرسوم مخالفات جسيمة وبخاصة أنه ترافق مع استملاكات في المنطقة لربط البحر بالطريق العام، بمعنى أن حكومة ميقاتي استخدمت صلاحية تخصيص استخدام الشاطئ العام كما سلطة الاستملاك في خدمة “منافع خاصة”، كل ذلك من دون استطلاع رأي المجلس الأعلى للتنظيم المدني.
والمرسوم الثالث والأخير، في القليلة- صور (ورقمه: 14620)، وقد منح شركة زالت من الوجود 14560 م2 من البحر من دون ذكر غاية الإستعمال، في منطقة مصنفة زراعية، وذلك خلافا لرأي المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي أكّد أن طلب الإشغال يتعارض مع شروط إشغال واستثمار الاملاك البحرية.
تولّت عددٌ من الجمعيات البيئيّة “الخط الأخضر” و”الجنوبيون الخضر” بالتعاون مع المفكرة القانونية ومبادرة سياسات للغد الطعن في هذه المراسيم أمام مجلس شورى الدولة. كما استبقت “المفكرة” الطعن بنشر مطالعات قانونية ثلاث مفنّدة فيها الخروقات القانونية التي شابت هذه المراسيم وهي المطالعات الآتية: “أوّل مرسوم تسوية لتعديّاتِ الأمْلاك العموميّة البحريّة: الحكومة تسوّي ما يحظر القانون تسويته” و”بحر عكّار للبيع أيضًا و… على اللسّ: آخر أمواج ميقاتي العاتية”، و”هكذا استباحتْ حكومة ميقاتي شاطئ القليلة: 9 مخالفات جسيمة تَنمّ عن تواطئٍ سافر”.
وإذ طالبت هذه المنظمات الحكومة باسترداد المراسيم، تلقّت في اليوم نفسه إجابة من الأمانة العامة لرئاسة الوزراء كشفت فيها أنها طلبت من الوزارة المذكورة إعادة النظر بها عن طريق إجراء مراجعة شاملة ودقيقة للأسس التي استندت إليها والتحقق من مدى توافقها مع القوانين والأنظمة التي ترعاها تمهيدا لاستردادها.
إذ تسجّل “المفكرة” لرئيس الحكومة نواف سلام ووزير الأشغال العامة فايز رسامني هذه الخطوة غير المسبوقة في حماية الملك العامّ وتحديدا الأملاك العامّة البحرية، تأمل أن تستتبعَها خطواتٌ مستقبليّة لوضع قانون 64/2017 موضع التطبيق تمهيدًا لمعالجة التعديات التي صنعتها الحرب ووقف نزيف سلعنة الشاطئ وخصخصتِه. على بُعد أيام من الذكرى الخمسين لاندلاع حرب 1975-1990، من حقّ اللبنانيين المثقلين بالهموم أن يأملوا بذلك.