starlebanon

starlebanon

لماذا سلطنة عُمان في المرتبة الـ 50 عالميا في مؤشر مدركات الفساد؟

لماذا سلطنة عُمان في المرتبة الـ 50 عالميا في مؤشر مدركات الفساد؟

بقلم: أحمد تركي
خبير الشؤون العربية

أصدرت منظمة الشفافية الدولية ببرلين نتائج مؤشر مدركات الفساد (CPI) للعام 2024 لدول العالم، والمتضمن لنتائج الدول العربية، وعلى الرغم من أن نتائج المؤشر كشفت عن وجود الفساد في كل دول العالم، إلا أنه يبقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 43%.

ويعد مؤشر مدركات الفساد مؤشراً مركباً يستخدم لقياس مدركات الفساد في القطاع العام فقط، مركزاً على البيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية ومستويات وإجراءات الحوكمة في البلدان، حيث يمنح المؤشر الدرجة من صفر الى 100 لكل دولة (الدرجات الدنيا تعني شديد الفساد، والعليا الأكثر نزاهة وأقل فساداً).

وعنونت الشفافية الدولية نتائج مؤشر مدركات الفساد لهذا العام بثيمة “أزمة المناخ”، حيث أوضحت أنه بدون إجراءات شاملة لمكافحة الفساد؛ ستتمكن النخب الاستبدادية من ترسيخ سلطتها المطلقة، مما يترك المنطقة غير قادرة على مواجهة التحديات الملحّة مثل تغير المناخ وإصلاح الحوكمة والتنمية.

يشار في هذا الصدد إلى أن منظمة الشفافية الدولية هي منظمة غير حكومية معنية بقياس مدركات الفساد، تهدف إلى إيجاد تغيير نحو عالم خالٍ من الفساد؛ وذلك من خلال وضع مسألة مكافحة الفساد على قائمة أجندة العالم، والعمل مع الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني من أجل تطوير وسائل مكافحة الفساد وتنفيذها، ويُعدّ المؤشر من أوسع التقارير انتشارًا في شأن قياس مستوى الفساد المدرك.
عُمان في مقدمة الدول العربية
كشفت نتائج المؤشر أن سلطنة عُمان حققت تقدمًا بمقدار 20 مركزًا في مؤشر مدركات الفساد للعام 2024، حيث حلّت في المرتبة الـ 50 عالميًّا من بين 180 دولة والمرتبة الرابعة عربيًّا وذلك مقارنة بالمرتبة رقم 70 في عام 2023، وبدرجة 55 مقارنةً بـ 43 في العام 2023 بمقدار ارتفاع 12 درجة.

ويعكس هذا التقدم الحرص الذي توليه سلطنة عُمان نحو تبني أفضل الممارسات الدولية في مجالات حماية المال العام ورفع كفاءة استخدامه وتعزيز النزاهة.

ولا ريب أن حصول سلطنة عُمان على المركز الرابع عربيًّا يعد جانبًا مهمًّا يسهم في تعزيز السمعة الطيبة لسلطنة عُمان ويؤكد أنها بيئة جيدة للعمل والاستثمار كون المؤشر يعد من المؤشرات الموثوقة دوليًّا.

كما أن حصول سلطنة عُمان على هذا التقدم جاء لاعتبار حماية المال العام وتعزيز قيم النزاهة أولوية يُعنى بها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى وخلاصة العمل الحثيث والتشاركي بين الجهاز جنبًا إلى جنب مع المكتب الوطني للتنافسية والجهات المعنية لتحسين موقف سلطنة عُمان في المؤشر.

إذ يعمل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، على مجموعة من المسارات سواء المتعلقة بالمجالات الرقابية، أو بمجال تعزيز الوعي المؤسسي والمجتمعي حول المال العام والوظيفة العامة من خلال البرامج والأنشطة التوعوية وفقًا للخطة العُمانية الإعلامية السنوية، بما يوائم رؤية عُمان 2040 والخطة الوطنية لتعزيز النزاهة، إلى جانب استمرارية الجهاز في إصدار ملخص المجتمع باللغتين العربية والإنجليزية والمصاحب للتقرير السنوي الذي يرفعه الجهاز سنويًّا للمقام السامي.

ترجع المكانة التي حققتها سلطنة عُمان في مؤشر مدركات الفساد للأسباب الأتية:
أولاً: الحوكمة والأداء المؤسسي: أرسى قواعدها السلطان هيثم بن طارق منذ 5 سنوات من أجل بناء الدولة الحديثة، حيث تعد بمثابة خارطة الطريق لتحقيق مزيد من التطور والإنجازات والتقدم لتضع عُمان في مصاف الدول المتقدمة، وجاء ذلك كأحد المحاور الرئيسة في رؤية عُمان المستقبلية 2040.

قطعت سلطنة عُمان شوطاُ كبيرا، في إطار سعيها لتحقيق الأهداف المنتظرة من هذا المحور وتتمثل في التالي: تشريعات مرنة وسلطة تشريعية مستقلة ذات صلاحيات كاملة ،نظام رقابي فاعل ومستقل يوظف الشفافية والإفصاح ويكافح الفساد، ودور رقابي بصير وفاعل للإعلام، قضاء ناجز، ونزيه، ومتخصص يوظف تقنيات المستقبل، وسائل فاعلة بديلة للقضاء تجعل من سلطنة عُمان مركزاً دولياً، مجتمع واعٍ قانونياً ومشارك بفاعلية في التشريع والرقابة، نظام رقابي شامل يحمي المقدّرات الوطنية ويحقق مبادئ المساءلة والمحاسبة، كفاءات وطنية تشريعية وقضائية ورقابية متخصصة ومؤهلة تحقق الثقة وتعمل في بيئة جاذبة.

لقد كانت سلطنة عمان من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تبنت حوكمة الشركات من خلال إصدار ميثاق تنظيم وإدارة الشركات المساهمة العامة عام 2002 كأحد الأدوات الرئيسة التي ساهمت في عملية الإصلاح والتطوير لقطاع سوق المال آنذاك، وقد أتت بثمارها على الشركات والمستثمرين، وجاء تأسيس مركز عمان للحوكمة والاستدامة عام 2015م كمبادرة من الهيئة العامة لسوق المال (سابقا) لنشر الوعي لدى باقي الشركات التي لا تخضع لرقابة الهيئة، وساهمت هذه الخطوة في زيادة جرعة الوعي لدى الشركات.

ثانياُ: الأدوار الفاعلة لجهاز الاستثمار العُماني، والذي حقق المرتبة الثانية عالميًّا في مؤشر تطور أداء الحوكمة والاستدامة بين عامي 2022 و2023م بنسبة ارتفاع بلغت 28 بالمائة، وذلك مقارنة بـ200 صندوق سيادي عالمي، وفقًا لتقرير أصدرته منصة جلوبال إس دبليو إف “Global SWF”. وجاء ذلك تأكيدًا لاهتمام جهاز الاستثمار العُماني بالأعراف والمبادئ الدولية، والتزامه بالمبادئ والقواعد الخاصة بالحوكمة والشفافية، واستيفائه لمبادئ الإفصاح وممارساته الصادرة عن المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية.

ثالثاُ: التشاركية والتكاملية المؤسسية: أكدت القيادة السياسية العُمانية على أهمية الأدوار التشاركية والتكاملية التي تبذلها الجهات المعنية نحو تعزيز موقف سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية، بالإضافة إلى الأدوار المجتمعية المتمثلة في اتباع التشريعات المختلفة، الأمر الذي اسهم في تحقيق التقدم المستمر، إلى جانب العمل على زيادة عدد المؤسسات المُقيِّمة لسلطنة عُمان في هذا المؤشر، فضلاً عن التواصل مع المنظمات الدولية للوقوف على الإجراءات اللازمة لتحسين بيئة العمل وتجسير جهود كافة المؤسسات المعنية.
رابعاً: تحقيق عُمان تقديرات كبيرة في مؤشرات التنافسية الدولية: فقد أعطت رؤية «عُمان 2040» أهمية كبيرة لمؤشرات التنافسية العالمية؛ باعتبارها مرآة تعكس قدرة الدول على تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانتها الاقتصادية والاجتماعية على الساحة الدولية. ومنذ الانطلاقة التنفيذية للرؤية استطاعت سلطنة عُمان أن تعزز مكانتها على جميع مؤشرات التنافسية العالمية، وقطعت في بعض المؤشرات أشواطا كبيرة فاقت التوقعات الأولية.
وأثبتت سلطنة عُمان جدارتها في مؤشرات الأداء البيئي، حيث صعدت من المرتبة 149 عالميا قبل عامين إلى المرتبة 54 في عام 2024، ما يعكس التزاما جادا وعملا دؤوبا في مجال حماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي. هذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لجهود متواصلة في تحديث البيانات البيئية وتفعيل مشاريع الحفاظ على المحميات الطبيعية وتعزيز الطاقة النظيفة.

وفي مؤشر الحرية الاقتصادية حققت سلطنة عُمان قفزة نوعية، حيث صعدت من المرتبة 95 إلى 56 في مؤشر مؤسسة هيرتيدج فاونديشن، مما يعكس الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي اعتمدتها الحكومة لتحفيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية. هذه الخطوة تعزز دور القطاع الخاص في دعم النمو الاقتصادي المستدام وتوفير فرص عمل جديدة للشباب العماني.

وحققت عُمان تقدمًا ملحوظًا في مؤشر الحكومة الإلكترونية، حيث تحسنت من المرتبة 50 إلى 41، مما يدل على تحول الحكومة نحو الرقمنة وتبنّي التقنيات الحديثة لتسهيل الخدمات العامة وتعزيز الكفاءة الإدارية. هذا التحول الرقمي يسهم في تحسين تجربة المواطن والمقيم ويعزز من شفافية الحكومة وفاعليتها.
لم تقتصر إنجازات سلطنة عُمان على المؤشرات البيئية والاقتصادية فقط، بل شملت أيضًا مؤشرات الحوكمة العالمية الستة الصادرة عن البنك الدولي، مما يعكس تحسينات شاملة في جودة الإدارة والحوكمة. هذه التحسينات تعزز من ثقة المستثمرين وتدعم مكانة عمان كوجهة استثمارية آمنة ومستقرة.
إجمالي القول فإن هذه الإنجازات جاءت نتيجة رؤية استراتيجية عُمانية واضحة وتنفيذ متكامل للخطط التنموية، حيث ساهم الفهم الصحيح لدور مؤشرات التنافسية العالمية وآلية عملها وتحديث البيانات فيها في تحقيق نتائج مبهرة وأعطت الصورة الحقيقية للعمل الحكومي في سلطنة عمان، كما أنها كشفت عن حجم التزام سلطنة عمان بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *