العلم بين الحياة والموت: مفارقة طبيبين من رحم المعرفة بقلم الفقير . نادى عاطف
في قاعات كلية الطب بجامعة القاهرة، تخرج في ستينيات القرن الماضي طالبان من ذات المكان، حملا ذات الدرجة العلمية، لكن القدر رسم لهما مسارين متناقضين تمامًا؛ أحدهما أصبح رمزًا للحياة، والآخر أصبح رمزًا للموت. هذه المفارقة تكشف بوضوح أن المعرفة ليست خيرًا أو شرًا بذاتها، بل أداة تتشكل بيد من يحملها، وفقًا لقيمه ومبادئه.
الدكتور مجدي يعقوب: نَبضُ الحياة
الدكتور مجدي يعقوب، جراح القلب العالمي، لم يكن مجرد طبيب بارع، بل إنسانًا كرّس علمه وخبرته ليكون سببًا في إنقاذ حياة الملايين. أدرك أن الطب رسالة تتجاوز المهنة، وأن القلب الذي يتقن جراحته قادر على النبض بالرحمة والإنسانية.
سافر بعيدًا ليصبح أحد أعظم جراحي القلب في العالم، لكنه لم ينسَ وطنه، فعاد ليؤسس مركزًا طبيًا لعلاج أمراض القلب في أسوان، يُقدم العلاج مجانًا للفقراء والمحتاجين. كان يرى أن شفاء إنسان واحد امتدادٌ لرسالة سامية، وأن الطب أسمى عندما يتجرد من أي حسابات مادية أو عنصرية.
الدكتور أيمن الظواهري: ظل الموت
وعلى النقيض تمامًا، برز اسم الدكتور أيمن الظواهري، خريج الطب ذاته، ليس كمنقذٍ للأرواح، بل كأحد رموز العنف والتطرف في العالم. اختار طريقًا أظلم، حيث سخّر علمه ومعرفته بالجسد البشري ليس لإنقاذه، بل لإزهاق الأرواح وتبرير القتل باسم أيديولوجيات مظلمة لا تمت للإنسانية بصلة.
تحول من طبيب درس تشريح الإنسان لإنقاذه، إلى قائد لتنظيم إرهابي كان الموت فيه لغة الخطاب والدماء وسيلة التأثير.
المعرفة بين الخير والشر
هذه المفارقة العميقة بين مجدي يعقوب وأيمن الظواهري تؤكد أن العلم، مهما بلغ من الرقي، يمكن أن يتحول إلى أداة بناء أو معول هدم، بحسب المبادئ التي تغذيه. فالعلم بذاته محايد، لكنه يصبح قوة للخير حين يقترن بالقيم الإنسانية، وكارثة مدمرة حين يُستخدم لخدمة أجندات الكراهية والدمار.
الفرق الحقيقي: القلب الذي يوجه العقل
لم يكن الفرق بين هذين الطبيبين في المكان الذي تعلموا فيه أو نوع المعرفة التي تلقوها، بل في القيم التي احتضنت قلوبهم. مجدي يعقوب آمن بأن الحياة تستحق الإنقاذ، وأن الطب رسالة رحمة، بينما الظواهري اتخذ من علمه وسيلة للهيمنة والقتل.
الخاتمة: العلم مسؤولية أخلاقية
قصة هذين الرجلين تطرح سؤالًا عميقًا: هل يكفي أن نعلّم أبناءنا العلوم؟ أم أن علينا أن نغرس فيهم القيم التي تجعل من هذه المعرفة ضوءًا يبدد الظلام؟
العلم قوة هائلة، لكنه بلا أخلاق قد يتحول إلى سلاح فتاك. فلنجعل من مجدي يعقوب مثالًا يُحتذى، ونُذكّر بأن أعظم إرث للمعرفة هو أن تخدم الحياة، لا أن تزهقها.