المطران ابراهيم في رسالة الصوم: الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام بل تجسيد للمحبة والعطاء والتضامن

المطران ابراهيم في رسالة الصوم: الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام بل تجسيد للمحبة والعطاء والتضامن

المطران ابراهيم في رسالة الصوم:

الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام  بل تجسيد للمحبة والعطاء والتضامن 

وجّه رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رسالة الصوم الى إِلى الكَهنَةِ والشمامِسةِ والرُهبَانِ والراهِبَاتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والأصدقاءِ، واعطى فيها نظام وتوجيهات الصوم في الأبرشية، وجاء فيها:

رسالةُ الصومِ 2024

المطران ابراهيم مخايل ابراهيم

بنعمةِ اللَّـهِ

راعي أًبرشيَّة الفُرزُلِ وزحلةَ والبقاعِ

إِلى الكَهنَةِ والشمامِسةِ والرُهبَانِ والراهِبَاتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والأصدقاءِ

في زمن الصوم المقدس هذا، يكلّمنا الله ويخاطبنا، فلنصغ إليه، أيها الأبناء الأحباء، ولنسلك بحسب دعوته لنا. يقول لنا الله تعالى في سفر أشعيا النبي: “أَلَيْسَ الصَّوْمُ الَّذِي فَضَّلْتَهُ هُوَ هَذَا: حُلُّ قِيُودِ الشَّرِّ وَفَكُّ رِبَاطِ النِّيرِ وَإِطْلَاقُ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا وَتَحْطِيمُ كُلِّ نِيرٍ؟ أَلَيْسَ هُوَ أَنْ تُكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ وَأَنْ تُدْخِلَ الْبَائِسِينَ مُطْرُودِينَ بَيْتَكَ وَإِذَا رَأَيْتَ الْعَرِيَانَ أَنْ تُكْسِوَهُ وَأَنْ لَا تَتَوَارَى عَنْ لَحْمِكَ؟ حِينَئِذٍ يَبْزُغُ كَالْفَجْرِ نُورُكَ وَيَنْدَبُ جَرْحُكَ سَرِيعًا وَيَسِيرُ بَرُّكَ أَمَامَكَ وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ شُمُلَكَ.” (أش 58: 6-8).

في هذا الزمن المقدس من الصوم، يأتي الله إلينا برسائله السامية وتوجيهاته الصادقة. دعونا نتلقى هذه الرسالة بفتح القلب وإصغاءٍ تامٍ لكلماته. إنه يدعونا للسلوك على دربه بإخلاص وتفانٍ. في سفر أشعيا، يوجهنا الله إلى فهم الصوم الحقيقي، الذي يتجلى في إزالة قيود الشر ومساعدة المحتاجين ومشاركة الرحمة مع الآخرين. إن هذا الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تجسيد للمحبة والعطاء والتضامن مع المحتاجين. فلنبذل جهودنا في خدمة الآخرين ونعيش بروح الصوم الحقيقي، لينعم الله بنوره علينا ويجمع شملنا ويرزقنا بمجد حياة متجددة في رحمته.

في تعليمه عن اليوم الأخير، يوم الدين، في إنجيل متى 25: 31-46، يصف لنا المسيح مشهدًا رائعًا، مذكّرًا إيانا، بكلمات مشابهة ومقاربة لما جاء في سفر أشعيا، أهمية محبة القريب. ونراه مشدّدًا على عمل الخير في الخفاء، إذ يعلمنا بحسب الإنجيلي متى أيضًا (متى 6: 1-18) ألا نُظهِرَ صومَنا للآخرين معبّسين، وأن نتصدّق دون إخطار أحد، وأن نصلّي في مخادعنا. وأبونا السماوي يجازينا في الخفية. فهذه المشورات الإنجيلية الثلاثة: الصوم والصدقة والصلاة تكمّل إحداها الأخرى، ونجدها دائمًا متلاصقة ومتلاحمة بحسب تعليم الإنجيل.

لنتأمّل سويًّا ببعض كلمات الربّ لنا، في زمن الصوم هذا، عسانا نتعظ بها مستلهمين ومستوحيين نعمة الله:

  • “أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضًا بعضكم بعضًا.” (يوحنا 13: 34).
  • “ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه.” (يوحنا 15: 13).
  • “طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله.” (متى 5: 8)
  • “طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون.” (متى 5: 9).
  • “فحيث يكون كنزك يكون قلبك.” (متى 6: 21).
  • “أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم.” (متى 5: 44).
  • “فقال له يسوع: لا أقول لك: سبع مرات، بل سبعين مرة سبع مرات.” (متى 18: 22).
  • “احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم.” (متى 11: 29).
  • “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم.” (لوقا 6: 36).
  • “فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل.” (متى 5: 48).
  • “أنتم نور العالم. لا تخفى مدينة قائمة على جبل.” (متى 5: 14).
  • “أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح، فأي شيء يملحه؟ إنه لا يصلح بعد ذلك إلا لأن يطرح في خارج الدار فيدوسه الناس.” (متى 5: 13

بالتالي، يتضح أن الصوم والصدقة والصلاة يكمل بعضها البعض ويجب أن يكونوا جميعًا جزءاً من حياة المؤمن، مع التركيز على المحبة والخدمة الفرحة والتواضع.

إن أجمل وأروع شهادة حية يمكن أن نعيشها في زمن الصوم المقدس، هي التي تنير للآخرين وتعكس حقيقة الإيمان وحيويته، وهي التخلص من حب المال. إذ يمكن للمال أن يغذي روح الطمع ويؤدي إلى خطر يعتري النفوس الضعيفة، ويحل مكان الله في القلوب، ويحوّل المحبة للآخرين إلى رغبة في الاستحواذ وجمع الثروات. لذا، يجب أن يكون اختيارنا الأول والأخير هو الله، وأي انحراف عن هذا المبدأ يؤدي إلى استمتاع شخصي مؤقت، أو سعي دنيوي، أو انشغال بالسلطة الفانية.

وفي تعليمه عن اليوم الأخير في إنجيل متى 25: 31-46، يذكّرنا المسيح بأهمية محبة القريب، ويؤكد على أهمية الأعمال الخيرة التي تقوم بسرية، متوجّهًا بذلك إلى تعاليمه في متى 6: 1-18 حول عدم إظهار الديانة للآخرين بصورة التكبر، وضرورة العطاء بدون الإعلان للناس، وأهمية الصلاة الخفية، مشيرًا إلى أن الله يجازينا في السرية.

نظام وتوجيهات الصَّوم في أبرشيَّة الفرزل وزحلة والبقاع:

عالجت مجامع كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك مسألة الصوم والقطاعة مراراً، وخاصة في الخمسينات (1949-1954). وكان التوجه العام، خصوصاً بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، أن ينظم كل مطران قانون الصوم والقطاعة المناسب لأبرشيته. الصوم عموماً في كنيستنا، يقوم بالانقطاع عن كل مأكل ومشرب من نصف الليل وحتى الظهر. القطاعة هي خاصة كالامتناع عن اللحوم. 

الصَّوم: هو الامتناع عن أيِّ مأكل أو شرب من الإثنين حتّى الجمعة من أسابيع الصَّوم والأسبوع العظيم المقدَّس من منتصف الليل حتّى منتصف النَّهار. (في الماضي كان الصوم التقليدي يبدأ في منتصف الليل وينتهي عند غروب الشمس، وبهذا كان الصائم يأكل مرَّة واحدة في اليوم بعد الغروب أو بعد ليترجيا الأقداس السّابق تقديسها).

يوم السبت العظيم المقدَّس هو يوم السَّبت الوحيد خلال السَّنة الذي يُصام فيه؛ أمّا في بقيَّة السُّبوت فلا يوجد صَّوم. كذلك يحرم الصوم يوم الأحد وهو يوم القيامة.

القطاعة: هي الامتناع عن اللحم يومي الأربعاء والجمعة، (في التقليد الكنسي كانت القطاعة عن اللحم ومنتجات الحليب والبيض كل أيام الصوم بما فيها الآحاد والأسبوع العظيم المقدس ماعدا يومي عيد البشارة وأحد الشَّعانين حيث يمكن تناول السَّمك).

أيام الصوم:

هي أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة من أسابيع الصوم والاسبوع العظيم المقدس. ما عدا اليوم الذي يقع فيه عيد البشارة (25 آذار). سبت النور: هو السبت الوحيد الذي يجب الصوم فيه. بينما لا يكون صوم في السبوت الأخرى لارتباط السبت بأحد القيامة) مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُون (

أيام القطاعة: تشمل أيام الأربعاء والجمعة من كل أسابيع الصوم الأربعيني، بالإضافة إلى الأسبوع العظيم المقدس، ما عدا عيد البشارة إذا وقع في أحد هذين اليومين من الأسبوع. وتجدر الإشارة إلى أننا نشجع كل من يريد أن يزيد أيام القطاعة لتشمل أيام الإثنين أو كل أيام الصوم المبارك.

أهم معاني الصوم:

الصوم هو زمن التكفير عن الخطيئة. إننا في هذا الوقت نتفرّغ أكثر لأمور الروح التي طالما شغلتنا عنها شواغل الدنيا. ثمّ نتّجه الى الله لنتّحد به أكثر بواسطة الصلاة. فالكنيسة تتوجّه الى كلّ مسيحي في مستهلّ هذا الصوم لتضعه أمام واجبه وتقول: ” هوذا اليوم وقتٌ يعملُ به الرب، هوذا الان يوم خلاص”. فانظر كيف تتدبّر أمر نفسك لإتمام قسطك من الصوم بالطريقة التي تناسبك، سواء بالإمساك عن الطعام كليّاً أم جزئياً أم بحرمان ذاتك من بعض كماليات الحياة. المهم ألا تتوانى في تتميم الغاية الاساسية التي وضعت لأجلها الشريعة، شريعة الصوم وهي التوبة الحقيقية والاتحاد بالله بواسطة الصلاة وممارسة الاسرار المقدّسة، وخدمة القريب على مختلف أنواعها. يقول القديس يوحنا فمّ الذهب:” الصوم علاج، هو ككل علاج مفيد جداً لمن يعرف أن يستعمله. فالصوم ليس في الامتناع عن الطعام، بل التوقف عن أعمال الخطيئة. أتصوم؟ اذن قدّم لي برهان ذلك بأعمالك: إن رأيت فقيراً تحنن عليه. ان كان لك عدوّ تصالح معه. إن شاهدت صديقا يزداد كرامة لا تحسده. لتصمّ يداك بالترفّع عن السرقة والبخل، لتصم عيناك، لتصم أذناك بالامتناع عن سماع أقوال الشرّ والنميمة والافتراء، ليصم فمك عن كلام السخرية والشتيمة. ” من واجب الانسان المسيحي أن يعيش هذه الشريعة الحيّة (شريعة الروح والقلب)، مستلهماً ضميره ومستنيراً بالروح القدس الساكن فينا متّخذين لحياتنا أصغر الأمور وأدقّها سلما، للتنقية والترقي والتجدد، لبلوغ قامة المسيح.

يُعفى من الصوم والقطاعة على وجه عام المرضى والعجزة الذين يفرض عليهم واقعهم الصحي تناول الطعام ليتقووا وخصوصا أولئك الذين يتناولون الأدوية المرتبطة بأمراضهم المزمنة والذين هم في أوضاع صحيَّةٍ خاصَّةٍ ودقيقة، بالإضافة إلى المرضى الذين يَخضَعُون للاستشفاء المؤقت أو الدوري. ومعلوم أنَّ الأولاد يبدئون الصوم في السنة التي تلي قربانتهم الاحتفالية، مع اعتبار أوضاعهم في أيام الدراسة.

هؤلاء المعفيون من شريعة الصوم والقطاعة مدعوون للاكتفاء بفطور قليل كاف لتناول الدواء، أو لمتابعة الدروس إذا كانوا تلامذة وطلاباً. المعفيون مدعوون للتعويض بأعمال خير ورحمة ومحبة.

الصوم في شقيه الروحي والجسدي: إن ممارسة فضيلة وفريضة الصيام الجسدي أعني الامتناع عن المآكل من نصف الليل حتى الساعة 12,00 ظهرا، والقطاعة عن أطعمة معينة (ما يسمى بالزفرين، زفر اللحم وزفر البياض من البيض والجبنة والحليب)، وممارسة فريضة الصوم الروحي أي ممارسة الفضيلة والقيام بالأعمال الصالحة ومساعدة الفقراء والتضامن مع الآخرين… هي كلها مترابطة ومكملة ومتممة للفريضة الواحدة: الصوم.

بالإِضافَةِ إلى الصَّوم، تُذكِّرُنا وصايا الكنيسة بواجباتٍ كنسيَّة، وأُحبُّ أنْ أُشجِّعَ الجميع على ممارستها بكلِّ اهتمام في هذا الصَّوم المبارك. منها:

  1. حُضُور الليتُرجيَّا الإلهية أو القُدّاس الإلهي كلَّ أحاد الصَّوم.
  2. ممارسة سرِّ التوبة والاعتراف. حيث كاد هذا السِّرُّ يغيب عن روحانيَّة وممارسة حياتنا المسيحيَّة.
  3. الاستعداد الحارّ والمناسب للمناولة المقدَّسة. (1كو 11) قائلًا: “إذن أي من أكل هذا الخبز، أو شرب كأس الرب، بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه”.
  4. أَوفِ العُشر: تقديم العُشر من الدخل للكنيسة أو للعمل الخيري. من خلال العطاء والتضامن مع الفقراء والمحتاجين.
  5. المُثابرة اليومية على قراءة كلمة الله والتأمُّل فيها، وأن تكون القراءة روحية عميقة.

لِيُبارِكْكُم اللهُ، وَيُعِدُ عَلَينَا هذَا الزمَنَ الْـمُقدَّسَ، وَجميعُنا في اتِّحادٍ وتًناغُمٍ ونجاحٍ وصِحَّةٍ وأَمانٍ.

مُحِبُّكُم بِالمسيحِ،

✠ المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، ب.م.