خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالصفات التي أشار إليها الله سبحانه، عندما تحدث عن أصحاب رسول الله الذين لا تقف حدودهم عندما كانوا في أيامه بل يمتدون عبر التاريخ، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.

لقد أشار الله من خلال هذه الآية إلى أن أصحاب رسول الله(ص)، هم أقوياء أشداء عندما تواجههم التحديات لكنهم فيما بينهم رحماء، وهم في علاقتهم بالله تراهم ركعاً سجداً مخلصون له ويتبعون ما عنده ولا يعملون لغيره، وفي ما أشار الإنجيل والتوراة إليه إلى أنهم موحدون تتكامل جهودهم وطاقاتهم يقوي بعضهم بعضاً ويشد بعضهم أزر بعض، لذا ينمون باستمرار، ودائماً هم في مقدمة أي مجتمع يعيشون فيه ما يجعل الكفار يغتاظون منهم.

بهؤلاء استطاع رسول الله أن ينشر رسالته، ويمتد الإسلام ويقوى وينمو ويكون قادراً على مواجهة التحديات…

والبداية من الارتفاع الجنوني الذي بتنا نشهده في سعر صرف الدولار والذي ينعكس ارتفاعاً مضاعفاً على أسعار السلع والمواد الغذائية والدواء والاستشفاء وتأمين الكهرباء والماء والنقل وسبل التدفئة، وبات يهدد المستشفيات والمؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة ويلقي بثقله على مؤسسات الدولة، مما لا طاقة للبنانيين على تحمله من دون أن تبدو في الأفق أي ضوابط تقف في وجه استمرار هذا الارتفاع أو حتى التخفيف من وقعه عليهم، بل هم يُبشرون باستمرار هذا الانهيار في ظل انعدام الحلول على الصعيد النقدي لانكفاء المصرف المركزي عن أداء دوره وعدم جدوى ملاحقة الصرافين ومن اعتبروا رؤوس عمليات المضاربة، واستمرار الواقع السياسي على حاله من الترهل والانقسام والشلل الذي بتنا نشهده في كل مفاصل الدولة، من دون أن نغفل الضغوط الخارجية التي تريد وصول لبنان إلى هذا المأزق.

إننا أمام كل هذا الانهيار، نحذر القوى السياسية من تداعيات الاستمرار بموقف اللامبالاة اتجاه ما يجري والتعامل معه كأن الأمر لا يعنيها وكأن البلد ليس بلدها والناس ليسوا ناسها، وندعوهم إلى القيام بالدور المطلوب منهم بالإسراع بالوصول إلى صيغة اتفاق في ما بينها تضمن انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين والقيام بأعباء هذه المرحلة العصيبة على كل المستويات وصولاً إلى تشكيل حكومة تكون من أولوياتها معالجة الأزمة الاقتصادية والسير بالإصلاحات المطلوبة وإقرار خطة تعافي اقتصادي، وذلك حرصاً على استقرار هذا البلد ومنعاً للفوضى التي يسعى إليها من لا يريد خيراً به، وهو بالطبع لن يتم إن بقي كل فريق على موقفه في هذا الاستحقاق فلا يتقدم خطوة إلى الأفرقاء الآخرين ولا يتحرر من وهم قدرته على فرض هذا الاستحقاق لحسابه وحده، وإن استمر الرهان على الخارج بعدما أصبح واضحاً أن هذا الخارج يعاني من انقسامات حيال النظرة إلى هذا الاستحقاق.

في هذا الوقت، نتوقف عند التحركات التي شهدناها للمودعين وما رافقها من أعمال عنف، فإننا من موقع حرصنا على القطاع المصرفي والسلم الأهلي، ندعو المصارف إلى الإسراع بعلاج هذه القضية، وإيجاد السبل التي تضمن إعادة أموال المودعين إليهم والتي تزداد حاجتهم إليها يوماً بعد يوم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وإذا كانت المصارف تعفي نفسها عن هذه المسؤولية بأن كل ما لديها لا يفي إلا بـخمس أو سدس أموال المودعين وأن الباقي أودعته لدى المصرف المركزي كسندات خزينة، فهذا وإن كان يحمّل الدولة المسؤولية معها ولكنه لا يعفيها أداء مسؤوليتها في رد الأمانات التي أودعت عنها إلى أهلها، والتي لا بد أن ترد إليهم كاملة.

ونتوقف عند الخبر الذي جاء من الكيان الصهيوني، والذي أشار إلى بدئه باستخراج الغاز من حقل كاريش وتصديره إلى الخارج، ومن حقنا أن نتساءل متى تتحقق الوعود التي أعطيت للبنانيين بالبدء بالتنقيب في حقل قانا بعد اتفاق ترسيم الحدود ومتى سيحصل ذلك، أسئلة برسم من يتحملون المسؤولية على هذا الصعيد، في وقت لبنان هو أحوج ما يكون إلى ما يخفف عنه وطأة الواقع الاقتصادي.

ونبقى على صعيد الزلزال الذي حصل في سوريا وتركيا والذي لا يزال الشعبان السوري والتركي يعيشان تحت وطأة الكارثة التي ألمت بهما نظراً إلى الحجم الكبير للضحايا والمصابين والمباني المدمرة، وهنا ندعو إلى استمرار الدعم لهذين الشعبين للقيام بأعباء رفع الأنقاض ولمساعدة المصابين وتأمين البيوت والمساكن للذين تهدمت منازلهم وتضررت.

وحسناً فعلت الدول التي جمدت العقوبات على سوريا وإن جاء ذلك متأخراً ومحدوداً، في الوقت الذي نريد لهذه الدول أن تعي ومن خلال هذه الكارثة حجم التداعيات التي خلفتها العقوبات والتي جعلت سوريا غير قادرة على القيام بمسؤوليتها اتجاه شعبها وإزاء أي كارثة تحصل فيها.

ونحن في هذه الأيّام إذ نستعيد ذكرى القادة الشهداء في المقاومة الإسلاميَّة، الَّذي بذلوا أرواحهم في سبيل عزّة هذا الوطن وحريته وكرامته واستقلاله، فإننا ندعو إلى أن يبقى هؤلاء في ذاكرة كلّ اللّبنانييّن، وأن لا ينسوا تحت أيّ عنوان طائفي أو مذهبي أو سياسي، ويضيع ما قدموه لأجل عزة هذا الوطن وحريته واستقلاله.

وأخيراً نقف عند ذكرى إسراء رسول الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، هذه الذكرى التي تأتي كل سنة لتذكر المسلمين بأهمية المسجد الأقصى لديهم لكونه القبلة الأولى لهم ومسرى رسولهم والدور الذي عليهم القيام به من أجل إخراجه من تحت نير الاحتلال مع القدس وكل فلسطين وإسناد المدافعين عنه والمرابطين ممن يقدمون الغالي والنفيس من أجله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *