الشيخ عبد اللطيف دريان استقبل في دارته الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق الدكتور خالد قباني.

الشيخ عبد اللطيف دريان استقبل في دارته الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق الدكتور خالد قباني.

استقبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دارته الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق الدكتور خالد قباني.

الرئيس السنيورة الذي قال بعد اللقاء:

“بدايةً، كانت هذه الزيارة لسماحته هي لتهنئته بخروجه بالسلامة من المستشفى وبصحة جيدة والحمد لله.

من جهة أولى، أودّ بداية أن أتوجّه بالتعزية الحارة إلى الشعب السوري الشقيق، والشعب التركي الصديق عقب الزلازل المدمرة التي أصابت البلدين، والتي كان من نتيجتها هذا العدد الكبير من الضحايا البريئة التي سقطت. وهذه إرادة الله، ولكن هذا أمر صعب جداً تحمله، وبالتالي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم الضحايا الأبرياء وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يمن على الجرحى والمصابين بالشفاء العاجل، ونسأل للجميع الصبر والسلوان.

في هذا الصدد، فإنّي أتمنى على جميع الدول العربية والشعوب العربية وأيضاً على الدول الصديقة في العالم أن تسارع إلى نجدة الشعب السوري والشعب التركي عبر تقديم المساعدات التقنية والإغاثية العاجلة التي تستطيع أن تساعد المعنيين في البلدين من التفتيش على من بقي من ضحايا أو إنقاذ الذين يمكن إنقاذهم. وهذا الأمر يحتاج إلى مساعدات متخصصة لكي تزيل هذا الدمار الكبير الذي لا زال يخفي الكثير من المصابين الذين لايزالون تحت الأنقاض.

تمنياتنا- إن شاء الله- أن تتم هذه المساعدة بأسرع وقت ممكن، وهذا أقل ما يمكن أن يُعمل من أجل تمكين هذين البلدين المصابين من أن يعالجا المشكلات الكبرى التي سوف تنجم عن هذا الدمار الكبير.

من جهة أخرى، نحن على مسافة أيام قليلة من الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون في جنات الخلد.

إننا ندرك بعد هذه الثمانية عشر عاماً على غياب الرئيس الشهيد أنه لايزال حاضراً بقوة حتى في غيابه في وجدان الكثرة الكاثرة من اللبنانيين والعرب. إننا ندرك أنّ هذا الرجل الكبير، وهو كان كبيراً بحجم الوطن، لما قام به من أجل لبنان، ومن أجل استعادة دولته واستعادة سلطتها الكاملة على كامل الأراضي اللبنانية. ومن أجل أن ينتقل لبنان إلى حيث يجب أن يكون في مصاف الدول المتقدمة.

اللبنانيون يدركون اليوم ما قام به الرئيس الحريري من أجل إعادة إعمار لبنان وتحسين مستوى عيش أبنائه، ومن أجل أن يكون وطنهم على مستوى الآمال التي يعلقها اللبنانيون لكي يكونوا حيثما كانوا يريدون، وليس إلى حيث ما أصبحوا عليه اليوم من انهيار وطني وسياسي ومعيشي.

نحن ندرك الكلفة الكبيرة لهذا الغياب المدوي للرئيس الحريري، وما تسبّب به أولئك الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء التي أدّت إلى اغتياله، وهم الذين اوصلوا لبنان- بطريقة أو بأخرى- إلى هذه الانهيارات التي أصبح يعاني منها اللبنانيون الآن.

الحقيقة التي يجب أن ندركها كلبنانيين، وبكل وضوح وبعيداً عن التعمية، وبعيداً عن عمليات الإلهاء، التي لاتزال تجري الآن على قدمٍ وساق وذلك من أجل حرف انتباه اللبنانيين عن المشكلات الحقيقية التي يعانون منها ويعاني منها لبنان، والتي لا سبيل للخلاص منها إذا لم يتشكّل هناك موقفاً حقيقياً وحازماً من أجل معالجة جوهر المشكلات التي تعصف بلبنان، وذلك بعيداً عن القصور والتقصير الذي شهدناه خلال السنوات الماضية. وذلك بأنه لا إمكانية للتصدي ولإجراء معالجة حقيقية للمشكلات التي يعاني منها لبنان من دون سلوك طريق الإصلاح الحقيقي. باختصار لم يعد بالإمكان معالجة مشكلاتنا باستعمال المراهم.

الحقيقة التي يجب أن لا يغفل عنها أحد، والذي يجب أن نكون واضحين فيها، انه لا يمكن إخراج لبنان من المآزق والانهيارات التي يعاني منها اللبنانيون من دون استعادة الدولة لحضورها ولسلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية، ومن دون العودة إلى احترام الدستور وحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف، وإعادة الاعتبار إلى الاستقلال الكامل للقضاء، وليس على النسق الذي شاهدناه في الأيام القليلة الماضية في تلك الخلافات المسرحية المؤلمة والمهينة للبنانيين التي حصلت بين القضاة. وأيضاً في أن يصار إلى استعادة العلاقات السوية والصحيحة بين لبنان وبين الدول العربية الشقيقة.

هذه هي بعض الأمور الأساسية التي لا يمكن أن نغفل عنها، وبالتالي لا يجوز لنا أن نستمر بإلهاء اللبنانيين بمعالجة ظواهر بعض المشكلات والابتعاد عن التصدي للمشكلات الحقيقية ومعالجة أسبابها.

أودّ أن أقول هنا وبكل وضوح أنّ التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون الآن يعبّر في الحقيقة عن عدم وجود قيادة رؤيوية حقيقية وفاعلة في لبنان الآن. وهذا يعيدنا إلى التأكيد مجدداً على الأولويات بشأن ما ينبغي أن يصار القيام به وفوراً، الا وهو انتخاب رئيس جديد للبنان. إذْ أنّ كل تأخير في هذا الشأن يعني مزيداً من الآلام والأوجاع التي سوف يتحملها اللبنانيون ويتحملونها في مستوى معيشتهم ويتحملونها في ما سينجم عن ذلك أيضاً من تردٍ مستقبلي ينعكس سلباً على حياة اللبنانيين جميعاً.

وبالتالي، فإنّ الأمر الضروري والأساسي هو في أن يصار إلى انتخاب رئيس جمهورية، يؤمن بالفعل بلبنان؛ في استقلاله وفي سيادته وفي انتمائه العربي وبنظامه الديموقراطي البرلماني وبحرية أبنائه. رئيس يكون بمستوى ما يقول عنه الدستور بأنه رئيس الدولة، وأيضاً رمز وحدة الوطن، وأن يكون جامعاً للبنانيين وليس رئيس فريق من اللبنانيين. هذه هي أهم الشروط التي يجب أن يتمتع بها رئيس الجمهورية.

ومباشرةً بعد ذلك، أن تتألف حكومة حقيقية لمعالجة هذا الكمّ الكبير من المشكلات التي تعصف بلبنان واللبنانيين، وأن تكون قادرة على جمع اللبنانيين، وأن تتخذ القرارات الصحيحة والفعالة، ويكون لديها الرؤيا الصحيحة، والقيادة الصحيحة، لاتخاذ القرارات الصعبة ولكن الضرورية.

لقد عانينا الكثير حتى الآن مما يسمى الاستعصاء المزمن على الإصلاح. هذا الإصلاح الذي نحتاجه هو الإصلاح الذي رفضه واستعصى عليه- وياللأسف- الكثير ممن يتباكون الآن على الدولة، وهم الذين كانوا ضد القيام بالإصلاحات عندما كان ذلك ممكناً، وعلى مدى ربع قرن مضى من الزمان.

لقد مرّت علينا ظروف كثيرة، وفرص كثيرة جرى تضييعها بسبب الخلافات التي كانت تعصف باللبنانيين، وأدت إلى ما وصلنا إليه الآن.

هل معقول أن نستمر حتى هذه اللحظة دون أن نجد حلاً حقيقياً لمشكلة الكهرباء. هل من المعقول أنه مازال هناك من لا يريدون تطبيق قانون الكهرباء، ولا تطبيق قانون الاتصالات ولا تطبيق قانون الطيران المدني. وهي جميعها بعض من تلك القوانين التي صدرت في العام 2002 أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولم تطبق حتى الآن.

هل معقول أننا لا زلنا حتى الآن لا نستطيع ولا نريد ان نجد حلاً لمشكلة النفايات في لبنان؟

هل هذه المشكلات بحاجة لموافقة مجلس الأمن الدولي ونتحجج بأننا لا نستطيع تطبيقها؟ هذه مشكلات حلّها هو لدى اللبنانيين. ولكن- وياللأسف- لا من مجيب.

نسمع من الأشقاء والأصدقاء كلاماً واضحاً وصريحاً حاولوا أن تساعدوا أنفسكم حتى نساعدكم.

يجب أن ندرك، أن العالم لديه انشغالات كبيرة ومشكلات كبيرة، وهو غير متفرغ لحل مشكلاتنا، ولكنه هو على استعداد لمساعدتنا إذا كان هناك قرار لدى اللبنانيين في أنهم يريدون أن يساعدوا أنفسهم. لا يستطيع الغير مساعدتنا إذا كنا نحن لا نريد مساعدة أنفسنا.

من جهة أخرى، يجب أن يكون واضحاً لدى اللبنانيين بأنّ الدولة لا تفلس، والدولة اللبنانية بالفعل هي غير مفلسة. ولكن هناك إدارة حكومية مفلسة، وهي التي أوصلت لبنان على حيث ما وصل إليه. إننا نستطيع أن نحقق الإنقاذ عندما ننفذ كل المقتضيات لاستعادة الدولة. فهذه المقتضيات عندما ننفذها فإننا عندها نسهم في جعل اللبنانيين يثقوا بالغد. حالياً لا ثقة لدى اللبنانيين بالغد بسبب أنه لا توجد إدارة حكومية رؤيوية حازمة وحقيقية تستطيع أن توحى للبنانيين بالثقة، وبإسهام حقيقي وداعم من مجلس النواب.

هذه الأمور يجب أن تكون واضحة والتعامي والتغاضي عنها سوف يؤدي بنا إلى المزيد من الغرق في بحور من الانهيارات.

س: هل تؤيدون انعقاد جلسات تشريعية للضرورة. كما هل من الممكن أن ينعقد مجلس الوزراء للضرورة؟

ج: الدستور واضح في هذا الشأن أنه عند شغور سدة الرئاسة ولأي علّة كانت تناط صلاحية رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء، وبالتالي لم ينص الدستور على أي مجلس الوزراء، أكان مجلس وزراء في حالة تصريف أعمال، أو مجلس وزراء عادي. الآن هناك شغور في موقع الرئاسة. وبالتالي في هذه الحالة يتولى مجلس الوزراء القيام بذلك وكالة. لكن كما يقول الدستور في الحد الأدنى لتصريف الأعمال.

لذلك عندما تكون الضرورة موجودة وأساسية وضرورية لتصريف أمور هامة وأساسية. عندها يجب أن ينعقد مجلس الوزراء.

والمشكلة ليست في انعقاد مجلس الوزراء، المشكلة في عدم عقد جلسات لانتخاب رئيس جمهورية. إذ ما حصل حتى الآن لا يستمر انعقاد جلسات مجلس النواب حيث يصار إلى إغلاق جلسات مجلس النواب بإفقاد النصاب. يجب أن يستمر مجلس النواب بالانعقاد لكي يحصل انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا الأمر هو الذي يجب أن ندعو إليه.

وبالتالي نؤكد إذا كان هناك من حاجة لانعقاد مجلس الوزراء من أجل البتّ في قضايا مستعجلة وضرورية فيجب أن تعقد جلسة مجلس الوزراء. إذ انّ الشغور يجب أن لا يطال المرفق العام، ولا أن يؤدي الشغور إلى تعطيل مصالح الوطن ومصالح اللبنانيين. وكل ذلك حسب ما ينص عليه الدستور، أي ضمن الحد الأدنى لعملية تصريف الأعمال.

فالدعوة لانتخاب رئيس جمهورية يجب أن تحصل- ومن دون توقف- بل أن يستمر انعقاد الجلسات النيابية توصلاً إلى انتخاب الرئيس العتيد.

س: بالنسبة للجلسات التشريعية؟

ج: عندما يكون هناك قوانين فعلية بحاجة إليها البلد ويحتاجها فعلاً اللبنانيون نعم يمكن أن ينعقد مجلس النواب، ولكن ليس من أجل تجديد لشخص أو أكثر، لا يجوز أن يكون هذا هو الموضوع.

س: هل الاجتماع الخماسي له آثار إيجابية على لبنان؟

ج: الاجتماع الخماسي لممثلي بعض الدول الشقيقة والصديقة، والذي حصل في فرنسا هو وسيلة للتعبير بأن العالم من الأشقاء والأصدقاء حريص على دعم لبنان. لكن الطبيعي أن لا يرمي لبنان كل مشكلاته على الآخرين. فهناك مشكلات من صنع أيدينا نحن اللبنانيين. ولكن نحن- وياللأسف- لا نقوم باي عمل حقيقي من أجل حلّ هذه المشكلات المستعصية.

لا ينبغي أن نترك الأمور هكذا ونصبح بالتالي غير قادرين على أن نقوم بالإصلاحات التي نحتاجها. المطلوب القيام بهذه الإصلاحات. هناك حاجة لإقرار الإصلاحات، والتي يجب علينا القيام بها، وهي من مصلحتنا، ولا أن نحاول أن نذر الرمال في العيون بحجة أن صندوق النقد الدولي يفرضها علينا.

فإذا كان صندوق النقد الدولي يطالب بالإصلاحات فلا يعني ذلك أنه يجب علينا أن نرفضها. القيام بالإصلاحات هو من مصلحتنا، وهي إصلاحات ضرورية. بهذه الطريقة نستطيع أن نسترجع ثقة اللبنانيين بدولتهم، وأن نستعيد ثقة الأشقاء والأصدقاء بنا وبالدولة اللبنانية.

الاجتماع في باريس مهم بكونه أكّد من جديد على حقيقة أساسية، انتخبوا رئيس ولتتألف حكومة وليجري إقرار وتنفيذ الإصلاحات، وسوف نكون إلى جانبكم. فالاستمرار بهذا التضييع للفرص وبالتالي الابتعاد عن حل المشكلات الأساسية سوف يوصلنا إلى المزيد من الانهيار.

وهذا الوضع المعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون أصبح غير مقبول. نحن مازلنا نتعامى عن اعتماد الحلول الحقيقية لهذه المشكلات. منذ سنوات وأنا أقول أنّ كل يوم تأخير بعدم القيام بهذه الإصلاحات الضرورية سوف يؤدي إلى شهر إضافي من المعاناة ومن الأوجاع التي سوف يتحملها اللبنانيون. وها نحن نعاني ونقاسي منها، ويجب الابتعاد عن إعطاء الأولوية للمصالح الشخصية الصغيرة لبعض السياسيين والمتنفذين، والتي تؤدي إلى تضييع الوقت وإلى حرف انتباه اللبنانيين عن مشكلاتهم الأساسية، والتي لا خروج من مآزقها إلاّ عبر استعادة سلطة الدولة العادلة والقادرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *