خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أشار به الإمام الصادق(ع)، للذين جاؤوا إليه يتأففون من الموت بعدما فقدوا بسببه أحبة لهم، فقال لهم: أنّ قوماً أتوا نبيّاً لهم، قالوا له: ادعُ لنا ربّك يرفع عنّا الموت، فدعا الله تبارك وتعالى فاستجاب لدعائه، فكثروا حتّى ضاقت عليهم المنازل وكثر النسل، وأصبح الرجل يطعم أباه وجدّه وجدّ جدّه وهكذا من طرف أمّه ثمّ يرضيهم ويتعاهدهم في كلّ شؤونهم وحوائجهم حتّى شغلوا عن طلب المعاش والذهاب إلى العمل. فجاؤوا إلى نبيّهم، وقالوا له: سل لنا ربّك أن يردّنا إلى حالنا الّتي كنّا فيها، فسأل ربه وردهم إلى حالهم…

أيُّها الأحبة:

غالباً ما نرى الجانب السلبي من القوانين التي أودعها الله في حياتنا وفي هذا الكون، فيما علينا أن نرى الصورة الإيجابية… صحيح أن الموت يفقدنا أحبة لنا وأعزاء ولكنه هو خير للحياة ولمستقبلها، فلنع ذلك لنكون أكثر مسؤولية ووعياً للحياة وقدرة على مواجهة المسؤوليات…

والبداية من كارثة الزلزال التي حصلت في مناطق في تركيا وسوريا، والذي خلف وراءه دماراً هائلاً وآلاف الضحايا وعشرات آلاف من المصابين ومئات الآلاف ممن أصبحوا بلا مأوى في ظل الصقيع والبرد القارس، والذي وصلت تردداته إلى لبنان والعديد من البلدان المحيطة…

ونحن أمام هذه الكارثة بكل تداعياتها على البشر والحجر والخوف والهلع الذي يحصل عند حدوثها أو من تكرارها… نهنئ اللبنانيين وكل الناجين منها على سلامتهم، والدعاء لهم بدوام هذه السلامة في الوقت الذي نتقدم بأحر التعازي إلى الشعبين التركي والسوري وأهالي الضحايا على مصابهم الأليم، والدعاء للباري عز وجل بالشفاء العاجل للمصابين، وأن يضفي السكينة على قلوب الخائفين من تداعيات ما حصل.

ونحن في الوقت نفسه، ندعو وانطلاقاً من الأخوة الإيمانية والمشاعر الإنسانية ومن مسؤوليتنا في مد يد العون إلى كل من يحتاج إلينا، إلى وقفة تضامن مع أهالي الضحايا والمصابين ومن فقدوا بيوتهم وباتوا في العراء، وتقديم الدعم بكل السبل والوسائل المتاحة التي تضمن تجاوزهم لهذه المحنة في أسرع وقت ممكن.

وهنا نقدر كل المبادرات التي قامت وتقوم بها دول وجهات وأفراد لدعم هذه المناطق والوقوف معها في مصابها، وندعو إلى تضافرها لمدى الحاجة إليها لا سيما تلك التي زادت هذه الكارثة من معاناتها بفعل الحرب أو الحصار الذي مورس عليها، ما جعلها تفتقد أبسط المقومات لمواجهة ما يجري، كما هو الحال في سوريا.

إن من المعيب أن نجد في هذا العالم الذي يعتبر نفسه راعياً لحقوق الإنسان من يتعامل مع ما جرى انطلاقاً من البعد السياسي وتصفية الحسابات ويبقى سيف العقوبات مسلطاً حتى الآن ورغم الكارثة التي ألمت بشعب هذا البلد، فلا يقدم المساعدات وإن قدمها فبالنزر اليسير، فيما ندعو إلى تجاوز كل الخلافات والنزاعات والصراعات والاعتبارات السياسية وغير السياسية أمام هول هذه الكارثة.

ونحن في هذا المجال، ننوه بكل الدول التي تجاوزت أمام هذه الكارثة الإنسانية الخلافات والحصار والعقوبات وبادرت للتواصل وتقديم المساعدات وعبرت عن تضامنها، ونشيد هنا بالمبادرة التي قامت بها الحكومة اللبنانية تجاه سوريا، من خلال التواصل المباشر، وبفتحها الأبواب واسعة لوصول المساعدات إليها، فضلاً عن المبادرات الشعبية التي انطلقت رغم المعاناة التي يعيشها لبنان، وتجاوزت في ذلك كل المحاذير التي كانت تمنعها من التواصل المباشر ومن المساعدة…

ونعود من باب هذه الكارثة إلى لبنان، لندعو الحكومة اللبنانية إلى العمل لوقاية هذا البلد من تداعيات الهزات التي تتواصل إن بالتوعية لكيفية التعامل معاً، ومحاسبة من يعملون على إثارة الرعب في النفوس بناء على معلومات غير دقيقة كالذي شهدناه عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل…

وهنا ندعو إلى عدم الإسراع بالأخذ بالِأخبار إلا من مصادر علمية موثوقة، هذا إلى جانب الكشف على الأبنية المتصدعة، والإسراع في تدعيمها، والاستعداد لكل الاحتمالات والتي نسأل الله أن يقينا منها، واعتبار ذلك من الأولويات.

وهذا ما يتطلب العمل على خطة طوارئ على هذا الصعيد تُستنفر فيها أجهزة الدولة وإمكاناتها وكل القدرات المتوفرة لدى الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني.

إننا كنا نأمل أن تؤدي هذه الكارثة، وما لحقها من ارتدادات إلى أن توحد القوى السياسية في هذا البلد، بحيث تسارع للتلاقي لملء الشغور الرئاسي والبدء بتحريك عجلة الدولة وأن نطوى لأجل ذلك صفحة الانقسام الداخلي الذي بقي على حاله، لكن مع الأسف لم يظهر أي من الأفرقاء رغبة في  التقدم خطوة نحو الآخر، حيث يستمر الواقع السياسي على حاله من الانقسام والذي يبقي الاستحقاقات في حالة المراوحة.

في هذا الوقت، يستمر التأزم على الصعيد الاقتصادي والمعيشي بفعل هذا التصاعد غير المسبوق في سعر صرف الدولار بكل تداعياته على صعيد ارتفاع أسعار السلع، والذي يهدد لقمة عيش اللبنانيين ودواءهم ويترك انعكاساته على انتظام عمل مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة وبات يهدد القطاع التعليمي الرسمي، وقد يصل إلى الخاص.

ومع الأسف يجري ذلك من دون أن يكون هناك حلول لهذا الواقع المأساوي، وإذا كانت من إجراءات تجري من ملاحقة المضاربين ورفع الغطاء عنهم، فهي رغم أهميتها لكنها غير كافية إن لم تتم معالجة الوضع المالي وإعادة النظر في السياسة النقدية التي يتّبعها المصرف المركزي.

في هذا الوقت تستمر المصارف بإضرابها الذي بات من الواضح أنه يهدف من ورائه إلى الضغط لمنع أية ملاحقة قد يقدم عليها المودعون لتحصيل حقوقهم، أو أي محاولة تتصل بكشف حقيقة ما حدث من تهريب الأموال إلى الخارج والتي تثار الشبهات حول مسؤولية العديد من المصارف عن ذلك، أو منعاً لرفع السرية عن حسابات كبار العاملين في القطاع المصرفي، ما يستدعي العمل على إيجاد حل منعاً لتأثيره على انتظام الوضع المالي والاقتصادي وعلى رواتب الموظفين، لكن من دون تبرئة المصارف من مسؤولياتها ومعرفة ما جرى ويجري داخلها.

وأخيراً، نطلّ على ذكرى انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران؛ لنهنّئ الجمهورية الإسلاميّة قيادةً وشعباً بهذه المناسبة، هذه الثورة التي جعلت الشعب الإيراني يستعيد قراره الحر واستقلاله، ويبعث الأمل لدى الشعوب المستضعفة والمقهورة التواقة لنيل حريتها ومواجهة من يستولي على مقدراتها وثرواتها ومن يهدد أمنها واستقرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *