حصادُ الرئيس الإسرائيلي في قمةِ المناخ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يَعُد رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هيرتزوج والوفد المرافق له من قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ المصرية خاوي الوفاض لم يحقق شيئاً، ولم يرجع منها بخفي حنين يجرُ أذيال الخيبة، بل عاد منها مزهواً سعيداً، فخوراً بما أنجز، وراضياً عما قدم، وفرحاً بما نال وحقق، وقد سبق ذلك كله حُسن الاستقبال وبشاشة الوجوه، وحرارة اللقاء ولطف الأحاديث، التي أظهرتها صور ومشاهد وصوله واستقباله.

 

ومثله عاد مرافقوه من الوزراء والمساعدين سعداء منتشين، فقد حققوا الكثير مما تمنوه، ونالوا من الاهتمام والتقدير أكثر مما توقعوا، إذ وقعوا على اتفاقياتٍ قديمةٍ، وعقدوا صفقاتٍ جديدةً، والتقوا ضيوفاً من مختلف دول العالم، وصافحوا ملوكاً ورؤساءً ما كان لهم أن يلتقوا بهم في غير هذا المكان وهذه المناسبة الأكبر، التي تشارك فيها أغلب دول العالم، وقد بلغ عدد المشاركين في هذا العام 197 دولة، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة ومساعديه، وممثلي المنظمات والمؤسسات والهيئات المهتمة بشؤون البيئة والمناخ والأمن الغذائي والسلام العالمي.

لم يكن رئيس الكيان الصهيوني مهملاً أو مغموراً في هذه القمة، فقد حظي بترحابٍ لائقٍ من المضيف المصري، وجرى استقباله ووفده المرافق وفق برتوكول استقبال الرؤساء، وألقى كلمة كيانه بحضور قادةٍ وزعماء عرب وغيرهم، رسم فيها صورةً مثالية لكيانه، وصورها بأنها خالية من التلوث المناخي، وليس فيها انبعاثات غازية، ولا تعاني من الانحباس الحراري، ووصفها بأنها صديقة البيئة، خضراء تستفيد من الطاقة الشمسية، وتسعى للحصول على الطاقة النظيفة.

 

رئيس الكيان الصهيوني كان يعلم أنه يكذب في خطابه، ويخدع المشاركين في أعمال القمة بمعلوماتٍ غير صحيحة، لعلمه والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المراقبة، أن كيانه يعاني من الارتفاع السنوي في درجات الحرارة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، وأن نسبة التلوث فيه عالية، وأن مناطق كثيرة فيه مهددة بالغرق، فضلاً عن المخلفات النووية الناتجة عن أنشطته وتجاربه النووية.

 

إلا أنه كان ممثلاً بارعاً ومتحدثاً ماكراً عندما أظهر في كلمته أسفه الشديد وكيانه على ما آل إليه العالم، والتهديدات التي تتربص به، فتباكى على ظروفه الصعبة، ونبه إلى أن الشرق الأوسط يقف على حافة الهاوية، وأنه على شفير كارثة كبرى، لكنه استثنى كيانه من الأخطار المحدقة، واستغل منبر المؤتمر ليشير إلى تميزه في كل شيء، وأنه يحارب التلوث البيئي، ويساهم إلى حدٍ كبير في منع الاحتباس الحراري، ويخصص ميزانيات كبيرة للأبحاث العلمية بقصد محاربة الظواهر المناخية السلبية.

 

لكن الإنجاز الأكبر الذي حققه رئيس الكيان الصهيوني ووفده المرافق، تمثل في محاولات خرق جدار المقاطعة العربية، إذ تبادل الكلمات والابتسامات مع بعض ممثلي الدول العربية، وشارك وفده في جلسات وندواتٍ لم تقاطعها الوفود العربية، وساهموا إلى جانبهم في النقاشات الجارية حول مختلف المواضيع والعناوين البيئية والمناخية، ولم تسجل عدسات الإعلام أي انسحابٍ للوفود العربية التي اعتادت ألا تشارك علنياً في أي لقاءاتٍ فيها ممثلون عن الكيان الصهيوني، اللهم إلا الموقف القومي العربي المشرف الذي قام به فخامة الرئيس الجزائري عبد المجدي تبون، الذي انسحب بجرأةٍ، وغادر بلا خجلٍ أو ترددٍ، رافعاً رأسه بشممٍ وكبرياء، وعزةٍ وكرامةٍ، رافضاً الاستماع إلى كلمة رئيس وزراء كيان العدو.

 

وكان الرئيس الإسرائيلي قد حرص في كلمته على إبراز دور كيانه وقدرته على تطوير الطاقة الشمسية والاستفادة منها في خلق بيئة نظيفة، وتزويد دول أوروبا بها، وحرصها على الاستفادة من مخزونها المائي في مساعدة وتزويد دول الجوار التي تعاني من نقصٍ في المياه، وهي الكلمة التي سبقت توقيع اتفاقية التبادل المائي والكهربائي بين الأردن والكيان الصهيوني، علماً أنه قد تم التوصل إلى مسودة اتفاق بين الطرفين قبل أكثر من عامٍ، إلا أن التوقيع عليها قد تم في قمة شرم الشيخ المناخية.

 

كما استغل المنبر الأممي في إبراز قدرة كيانه على تحقيق الأمن الغذائي لدول المنطقة، وخاطب دول الجوار باسم كيانه ومصر التي شكرها على حسن الضيافة والتنظيم والاستقبال،، داعياً إياهم للنهوض بالشرق الأوسط، والاستمتاع بالعيش الآمن فيه، وكانت عيونه تجول على وجوه أعضاء الوفود العربية، وكأنه يستحثها على الاعتراف والتطبيع والتعاون المشترك، ولعله قرأ من بعض النظرات والكثير من الابتسامات بعض القبول الذي يتطلع إليه وكيانه، مما شجعه على تكرار دعوته إلى خلق شرق أوسط متجدد ضمن نظام إقليمي للسلام المستدام، يكون كيانه فيه الشريك الأساس، الذي يقدم أَجلَّ خدمات الطاقة النظيفة الشمسية الخضراء إلى دول أوروبا وآسيا وأفريقيا.

 

للأسف يبدو أن الكيان الصهيوني قد كسب الكثير من قمة شرم الشيخ، ورجع رئيسه وقد جمعت شباكه أسماكاً كبيرة وأخرى صغيرة كثيرة، ومهد للكثير من العقود والصفقات المستقبلية، رغم أنه لم يبذل جهوداً كبيرة لجمع غلاله وحصاده، إلا أن الظروف العربية الرسمية لبعض الأنطمة قد خدمته، مما دعاه إلى الاستبشار بالمستقبل فتحدث عن صورة كيانه في العام 2050، ظاناً منه أنه سيعيش حتى ذلك اليوم.