سيجار وشامبانيا وسجاد لراحة نفس سارة ونتنياهوبقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

سيجار وشامبانيا وسجاد لراحة نفس سارة ونتنياهوبقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

من جديدٍ وقبل ساعاتٍ قليلةٍ من نهاية المشاورات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتزوج مع رؤوساء الكتل النيابية الإسرائيلية، لتسمية الشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة القادمة خلال مدة 28 يوماً، قابلة للتمديد مدة 14 يوماً فقط، عادت إلى السطح من جديد قضايا فساد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق بنيامين نتنياهو، وهو الشخصية الأكثر ترجيحاً لتسلم مهام تشكيل الحكومة الجديدة، كونه يرأس الحزب الأكثر تمثيلاً والكتلة اليمينية الأكبر في الكنيست الجديدة.

 

رغم أن نتنياهو غير قلقٍ أو خائفٍ من تحريك ملفات الفساد المتهم بها، التي قد تسقط في الأيام الأولى لتوليه المنصب وعودته إلى مكتبه القديم، إذ سيشرع القانون الفرنسي الذي سيحميه ويمنحه الحصانة، وستسقط عنه الملاحقة والمحاكمة، وسيعيد حلفاؤه تنظيم وزارة العدل، وتشكيل أعضاء المحكمة العليا بعد تقليص صلاحياتها وكف يد قضاتها، إلا أنه سيكون منزعجاً جداً من المثول أو وكيله القانوني في المحكمة أمام النيابة العامة، للدفاع عن نفسه أمام الباعة وأصحاب المحال التجارية، والتجار ورجال الأعمال، الذين سيدلون بشهادتهم أمام القضاء في التهم الموجهة ضده وزوجته سارة، بأنهما تلقيا على هيئة هدايا ولمراتٍ عديدةٍ كمياتٍ كبيرة من السيجار الفاخر والشامبانيا والسجاد.

 

لم يعد نتنياهو قلقاً وخائفاً كما كان، فهذا الاستدعاء يختلف عن الاستدعاءات التي سبقت، فهو اليوم أقوى ما يكون، وأقرب مما كان عليه في كل المرات السابقة إلى كرسي رئاسة الحكومة، في ظل أحلامٍ كبيرة بأن حكومته ستكون قوية ومستقرة، وأن أطراف ائتلافه لا يملكون من أجل البقاء والاستمرار إلا الدفاع عنه وتخليصه من هواجسه ومخاوفه، وتأمين شخصه ومنصبه، وحتى القضاء نفسه بات خائفاً يترقب، وقلقاً يتوجس، فاحتمالات إعادة ترتيب بيت القضاء باتت قريبة، وسلطة وزير العدل الجديد ستكون أقوى وأشد على كل من يحاول المساس بنتنياهو أو الاقتراب من ملفاته، وإعادة فتحها أو التلويح بها.

 

أياً يكن قرار المحكمة التي طال أمدها وقد يطول أكثر، فإن نتنياهو سيتمكن من دفن كل ملفات الفساد الموجهة إليه، وسينجح من خلال تحالفاته اليمينية المتطرفة من طي صفحة ماضيه القذر، مقابل رشىً جديدة سيقدمها إلى الأحزاب الدينية والقومية المتشددة، ليسترضيها ويبقيها معه وإلى جانبه، كي تمنحه أصواتها في الكنيست وتحول دون سقوط حكومته من جديدٍ، مقابل تسهيلاتٍ مالية يقدمها للأحزاب الدينية، وقوانين استنسابية تخدم توجهاتهم الدينية وتدعم سياساتهم وتلبي رغباتهم.

 

كما سيكون ملزماً في سبيل إسقاط التهم الموجهة إليه وتحصينه بالقانون الفرنسي، بتسهيل عمليات اقتحام المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته والاعتداء على المصلين والمواطنين، وسيستجيب إلى مطالب المستوطنين وزعمائهم، وسيشرع بؤرهم الاستيطانية وسيوسع القديم منها، وسيمنح وزير حربه الجديد تراخيص بناء جديدة لهم ليرضوا عنه، ولعله جاهز شخصياً لتقديم هذه التسهيلات قناعةً منه وإيماناً بها، فهو الذي مهد وأسس لها خلال سنوات حكمه السابقة.

 

أما الرشى الأكبر التي سيقدمها لحلفائه مقابل الرشى التي تلقاها، فهي تتعلق بتوزيع المناصب الوزارية، إذ سيكون مضطراً لاسترضاء إيتمار بن غفير بما يريد من وزارات، ومنها وزارة الأمن الداخلي التي يتطلع إليها، ويضمر من خلالها سياسات وإجراءات جديدة تتعلق بالفلسطينيين، وكذلك سيسترضي بتسليئل سموتريتش الذي لا يقوى على غضبه أو حرده، وسيمنحه وزارة الحرب التي سيكون بيدها مفاتيح الاستيطان والاقتحام والانتهاك والقتل والاعتقال والمزيد من الإجراءات القاسية بحق الفلسطينيين.

 

يبدو أن نتنياهو وزوجته سارة وكذلك أبناءه قد تمتعوا جميعاً بالسيجار والشامبانيا والسجاد وبكل ما أهدي إليهم وقدم لهم، واستمتعوا على مدى سنواتٍ طويلة بها وفاخروا بها وبغيرها، وبالتسهيلات الكثيرة التي منحت لهم ولأصدقائهم ومعارفهم، وبالهدايا التي أغدقت عليهم، والرحلات التي قدمت لأصدقائهم ومعارفهم، ولن يكونوا مضطرين أبداً إلى دفع الثمن والخضوع لأي عقوبةٍ جراء المخالفات التي ارتكبوها، وستعود سارة كما كانت سيدة القصر وحاكمة البيت تطلب وتأمر وتشير وتوصي وتنهى وتقصي وتقرب، وحلفاؤه من بعده يصرون على شرعية الهدايا وأنها كانت جميعها لراحة نفسه وزوجته، وقد قرروا بما يملكون من تفويضٍ العفو عنه ومسامحته، وتنظيف سجلاته وتبرئته.