خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام العسكري(ع)، عندما قال: “أوصيكم بتقوى اللهِ والورعِ في دينِكم، والاجتهادِ للهِ وصدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ إلى من ائتمنَكم من برٍّ أو فاجرٍ، وطولِ السجودِ وحسنِ الجوار.. بهذا جاء محمّد(ص)، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً علينا.. جُرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك.. احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام”…

إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصية… أن نهتدي بها، لنكون حقاً من شيعة أهل البيت(ع) والموالين لهم ولنكون أكثر حضوراً وأكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…

والبداية من لبنان الذي دخل في مرحلة كنا حذرنا من الوصول إليها وهي الشغور على الصعيد الرئاسي والذي أتى في وقت لم يتم التوافق على حكومة مكتملة الصلاحية رغم كل الجهود التي بذلت على هذا الصعيد تكون قادرة على ملء الفراغ، ولا تكون عرضة للجدل، كما هو الأمر في حكومة تصريف الأعمال، في حين يبدو أنه بات من الصعوبة في مكان الاتفاق على اسم الرئيس في وقت قريب لاستحكام الخلاف بين الأفرقاء الأساسيين…

وعدم استعداد أي منهم للتنازل عن شروطه ورهاناته، ما يجعل البلد رهينة تداعيات هذا الشغور والتي هي كارثية على الصعيد الاقتصادي والمعيشي وتدخلات الخارج.

إننا أمام كل هذا الواقع، نجدد دعوتنا لكل القوى السياسية إلى أن تكف عن لعبة إهدار الوقت الثمين على لبنان واللبنانيين حين يسعى كل فريق أن يكون الرئيس على شاكلته وقياسه، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل توازن القوى داخل المجلس النيابي وفي بلد بني على التوافق ولا يحظى بالاستقرار إلا به.

لقد كنا نأمل أن يتلقف جميع الأفرقاء الحوار الذي دعا إليه رئيس المجلس النيابي، وأن لا يضيّعوا هذه الفرصة لكونه الباب الذي يسهل الوصول إلى التوافق المنشود.

وهنا ندعو الجميع إلى الاستجابة لأي دعوة مماثلة لحوار جدي أو أن يتداعوا إليها لإخراج البلد من المأزق الذي وصل إليه على هذا الصعيد.

إننا ندعو الجميع إلى أن يكونوا أكثر وعياً لخطورة المرحلة إن على صعيد الداخل وما وصل إليه من تردٍ على كل الصعد، أو على صعيد الانعكاسات الإقليمية والمحلية لنتائج الانتخابات التي جرت في الكيان الصهيوني، أو على صعيد الصراع الدولي الذي تفاقم بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وتداعياتها السلبية في مجالات الغذاء أو الطاقة والأمن، حيث لا يمكن أن يواجه كل ذلك بالترهل الذي نشهده.

ونحن هنا، نحذر القوى السياسية من الاستمرار في السجال السياسي الحاد الدائر، حول الرئاسة الأولى أو الموقف من الحكومة أو النظرة إلى المرحلة السابقة، نظراً لتداعيات هذا السجال على صعيد الشارع المتشنج طائفياً ومذهبياً وسياسياً، والذي قد يتسبب بتوترات أمنية أو أن يدخل على خطه من يريد العبث بأمن هذا البلد واستقراره.

إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى الخطاب الهادئ الذي يسد منافذ الفتن، ويدفع إلى تحريك العقول لدراسة الأسباب التي أدت إلى ما وصل إليه البلد وكيفية معالجتها للنهوض به من كبوته بدلاً من خطاب شد العصب واللعب على وتر الغرائز الطائفية والمذهبية، والذي لن ينقذ المواقع التي تتداعى، وهو خطاب مجه اللبنانيون وتعبوا منه وممن تعلقوا به بعد أن خبروا نتائجه.

ونبقى في الداخل وفي ظل تفاقم أزمة المودعين وما وصلت إليه، لندعو مجدداً المصارف إلى تحمل مسؤوليتها تجاه من أودعوها أموالهم، فهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن أموال المودعين ولدراسة كل السبل الكفيلة لإعادتها ولو تدريجاً حتى لا يدفعهم اليأس إلى سلوك طريق استعمال القوة، والذي لا نريد الوصول إليه ولا ندعو إليه…

وعلى صعيد القمة العربية، فإننا في الوقت الذي نرى أهمية القرارات التي اتخذتها حيال القضية الفلسطينية والمصالحات العربية العربية وإزالة التشنج الحاصل في ما بينها، فإن ما نريد التأكيد عليه هو الإسراع في تنفيذ هذه القرارات وإيجاد الآليات وتوفير المناخات التي تضمن نجاحها، وأن لا تضيع كما ضاع الكثير غيرها مما صدر من القمم العربية سابقاً لتبقى حبراً على ورق ويبقى العالم العربي على حاله من الانقسام والضعف وغير قادر على مواجهة التحديات التي تأتي من داخله وخارجه.

وفي مجال آخر، وعلى صعيد نتائج الانتخابات التي جرت في الكيان الصهيوني، التي تصدر فيها اليمين المتطرف المشهد والذي يشير إلى طبيعة هذا الكيان الذي بني على التطرف ويزداد تطرفاً يوماً بعد يوم، ويشهد على ذلك مواصلته سياسة القتل والتشريد والاستيطان التي يعتمدها مع الداخل والخارج.

وهنا ندعو الشعب الفلسطيني إلى الاستمرار بمواجهة هذا التطرف بمزيد من الوحدة والتماسك وتعزيز روح المقاومة وهي اللغة التي يعيها هذا العدو فيما ندعو الدول العربية والإسلامية وشعوبها وإصرار العالم إلى مزيد من الوعي لطبيعة هذا الكيان ومدى التهديد الذي سيتسبب به وعدم مهادنته والوقوف مع الشعب الفلسطيني في مواجهته لهذا التطرف الجديد.

وأخيراً، فإننا نرجو من أهالينا أن يحرصوا على التنبه من وباء الكوليرا الذي بات يطرق أبوابنا، والذي بتنا نخشى من تفشيه رغم أنه لا يزال في نطاق محدود، وذلك من خلال اعتماد أقصى سبل الوقاية والتأكد من سلامة الماء الذي نشربه والذي نستعمله والغذاء الذي نتناوله، في الوقت الذي ندعو وزارة الصحة ومعها كل العاملين في المجال الصحي والاستشفائي إلى العمل بكل جدية والتعاون لمواجهة خطر تفشي هذا الوباء من خلال توفير كل وسائل الوقاية والسلامة والاستشفاء.