خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله الصحابي الجليل أبا ذر، عندما قال له: “يا أبا ذر: من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر.. قلت: وما الثلاث، فداك أبي وأمي؟ قال: ورع يحجزه عما حرم الله عز وجل عليه، وحلم يرد به جهل السفهاء، وخلق يداري به الناس.. يا أبا ذر: إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله عز وجل. وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك.. يا أبا ذر: لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.. يا أبا ذر: يقول الله جل ثناؤه: وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت عنه ضيقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر”.

أيُّها الأحبة: إننا أحوج ما نكون إلى أن نستهدي بهذه الكلمات لتعيننا في هذه الحياة ولتجعلنا أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…

والبداية من لبنان الذي بات على بعد أيام من مرحلة نخشى مع كل اللبنانيين من تبعاتها بعدما أصبح واضحاً بما لا يقبل الشك أن المرحلة القادمة هي مرحلة الشغور الذي سيحصل في موقع رئاسة الجمهورية بعدما لم يقم المجلس النيابي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بانتخاب رئيس للجمهورية، فيما بقي تشكيل الحكومة أسير الشروط والشروط المضادة ورهينة المصالح المتعارضة والحسابات الضيقة.

ومن المحزن أن يجري كل ذلك فيما البلد يمر بمرحلة هي من أصعب المراحل، والتردي الذي يعاني منه اللبنانيون على الصعيد المعيشي والحياتي والتي لم تعد تقف تداعياته عند عدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم، بل زاد في تفاقمها انتشار الأوبئة والأمراض وآخرها الكوليرا الذي بات يحصد أعداداً متزايدة من الأرواح، فضلاً عن التردي الحاصل على الصعيد الأمني والاجتماعي وانكفاء العالم المشغول بأزماته عن هذا البلد.

إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوتنا القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها والاستفادة من الأيام القليلة المتبقية والثمينة لتأليف حكومة تحظى بثقة المجلس النيابي الحالي قادرة على إدارة شؤون البلد وتجنبه الجدل السياسي والدستوري الذي لن ينتهي حول شرعية حكومة تصريف الأعمال بصيغتها الراهنة.

في الوقت نفسه، لا بد من إبقاء السعي لانتخاب رئيس للجمهورية وعدم ترك البلد أسير الفراغ بكل تداعياته لمدة طويلة.

ونحن على هذا الصعيد، نرحب بأي دعوة للحوار وندعو الجميع إلى تلقفها وأن يكون لديهم كل الاستعداد للتنازل عن حساباتهم الخاصة ومصالحهم الفئوية لحساب استقرار هذا البلد وبقائه، إذ لا يمكن أن يُبنى بلد إذا بقي كل يقف في موقعه ولا يريد أن يتقدم خطوة نحو الآخرين، فالبلد بني على التوافق البناء والذي أقيمت عليه دعائمه ولا يُصان إلا بهذا التوافق.

ونبقى على صعيد الترسيم للحدود البحرية مع الكيان الصهيوني الذي بات الجميع يرى فيه باب أمل في هذا البلد، وبالتالي فإننا نعيد التأكيد على أهمية تحقيق هذه الخطوة ونقدر كل جهد بذل في هذا السبيل لمدى حاجة اللبنانيين الملحة إلى الاستفادة من ثروتهم، ولكن هذه الخطوة تبقى ناقصة ولا تؤدي الهدف المرجو منها إن لم يتم الإسراع باستثمارها والاستفادة منها عبر تأمين كل الظروف التي تضمن البدء بالحفر وإزالة أي عوائق قد تقف أمام ذلك، خشية أن يستأثر العدو الصهيوني بها وأن يكون هو الرابح من وراء ذلك، وهو من بدأ بالاستخراج وفي الوقت نفسه تأمين الاستقرار السياسي والإصلاحات الكفيلة التي تضمن عدم ضياع الثروة كما ضاعت كل ثروات البلد.

ونحن في هذا المجال، نعيد التأكيد على عدم إعطاء هذه الخطوة أبعادً تزيد عما هي عليه، فهي لن تكون باباً للتطبيع أو إنهاءً للصراع مع العدو الصهيوني الذي يبقى الصراع معه مفتوحاً ما دام يحتل جزءاً من الأرض اللبنانية ولا يزال يتهدد بره وبحره وجوه.

أما في إيران، فتستمر المحاولات الحثيثة لخلق التوترات في هذا البلد والفوضى فيه، والذي تمثل بأبشع صورة في مشهد الجريمة التي قامت بها داعش واستهدفت أحد المراقد الدينية لأحد أولاد الإمام موسى الكاظم(ع) وأدت إلى استشهاد وإصابة العشرات من الزائرين لهذا المرقد الشريف.

ونحن في هذا المجال وفي الوقت الذي ندين هذ الاعتداء الإجرامي، ندعو الشعب الإيراني إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة كل المؤامرات التي تستهدف ضرب أمنه واستقراره.

وفي الوقت نفسه ندعو فيه إلى موقف حاسم وصوت واحد من كافة المرجعيات الدينية والفعاليات الثقافية والفكرية على مختلف اتجاهاتها المذهبية والحريصة على صورة الإسلام والمسلمين يدين هذه الفئة الضالة التي لا تراعي في إجرامها حرمة للمساجد والمعابد وإزهاق النفوس البريئة، ومع الأسف يحدث كل ذلك باسم الإسلام، هذا الدين الممتلئ رحمة وسلاماً والذي لا يمت لمثل هذه الأعمال بصلة.

وعلى صعيد العراق، فإننا نهنئ الشعب العراقي بالخطوة التي حصلت بتأليف الحكومة ونيلها الثقة والتي نأمل أن تكون على مستوى طموحات العراقيين التواقين إلى حكومة تخرجهم من واقعهم المرير والصعب وباباً لوحدتهم.

أما في فلسطين حيث يستمر الشعب الفلسطيني بتقديم التضحيات وأغلى الأثمان، في مواجهة العدو الصهيوني وهو يثبت، رغم كل عمليات الاغتيال والاعتقال والاقتحامات المتكررة في الضفة الغربية والقدس، عن مدى عزيمته وإرادته لاستعادة وطنه وحماية مقدساته من رجس الاحتلال.

ونحن هنا نأمل من القمة العربية التي تنعقد في الجزائر في الأيام القادمة، أن تجعل من أولوياتها دعم الشعب الفلسطيني وتوحيد الجهود العربية في مواجهة العدو الصهيوني واعتداءاته التي تستهدف هذا الشعب، وحيث يستمر في الاعتداء على بلد عربي عزيز وهو سوريا.

وأخيراً فإننا ندعو إلى بذل كل الجهود من قبل وزارة الصحة والوزارات المعنية والبلديات لمواجهة وباء الكوليرا واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة التي تمنع من استفحاله، وهنا نقدر كل الجهود التي بذلت على صعيد الوقاية أو توفير فرص العلاج، ونأمل أن تتضافر هذه الجهود وأن يتم التعاون بين الجميع رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها الوطن.

وفي الوقت الذي ندعو فيه المواطنين إلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر والوقاية لدفع هذا الوباء الخطير عنهم.