بيان لمجموعة لبنان عن جديد حول الاتفاق بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البحرية: لا انتصار، لا عوائد مالية فورية، بنودٌ مفخخة بالجملة لاقرار قانون الموارد البترولية في البر فوراً

ما ان أُعلن عن توصّل الوساطة الأميركية الى “اتفاق” بما يخص مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع العدو الاسرائيلي، حتى استعجلت المنظمومة الحاكمة، وهي التي تفاوض اليوم بنسخة ترويكا محدثة وبدون أيّة مساءلة شعبية أو وزارية أو نيابية، الى تصوير الموضوع وكأنه انتصارٌ تاريخي للدولة التي ستقترب من أن تكون دولة غازية أو نفطية. من البديهي أن ما يحصل اليوم هو نقيض الأمرين معاً، فلا لبنان سيخرج بلباس المنتصر مهما حاولت أدوات المنظومة والأوركسترا المحيطة بها الترويج له، ولا الاتفاق سيدرّ بالمليارات التي ستحل أزمتنا المالية الحادّة في وقتٍ قريب. أضف الى أن بنود الاتفاق تتضمّن ثغرات جمّة تشكّل تعدٍّ فاضح على منطق السيادة الوطنية وتضع مستقبل ثرواتنا في غير البلوك رقم 9 عرضةً للأهواء الأميركية والاسرائيلية معاً.

 

في الواقع، جلّ ما يمكن استخلاصه من مفاوضات الأشهر القليلة الماضية، هو أن لبنان يحصد اليوم ما رزع في العقد المنصرم من تخبّطٍ وتأرجحٍ في الآراء وغياب الرؤية والاستراتيجية التفاوضية الواضحتين والتي أدت للوصول الى الخط 23 اليوم. وهذا يمكن تلخيصه من خلال الوقائع التاريخية التالية:

 

  1. التمسّك بالخط 23 في العام 2011 واقرار المرسوم 6433/2011 على أساسه من قبل حكومة ميقاتي 2011، رغم وجود دراسة مركز الهيدروغرافيا البريطاتي UKHO في الأدراج، والتي تعطي عدّة احتمالات للترسيم من بينها الخط 29،
  2. تغيرّ الموقف الرسمي في العام 2019-2020 بعد عدة دراسات للجيش اللبناني أظهرت عدم صوابية الخط 23 وضرورة تعديل المرسوم 6433/2011 ليتطابق مع الخط 29. علماً أن وزير الدفاع آنذاك الذي رفع دراسة الجيش الى مجلس الوزراء في حكومة الحريري 2019 لتعديل المرسوم هو نفسه الياس بو صعب الذي فاوض اليوم الوسيط الأميركي على أساس الخط 23،
  3. بدء المفاوضات غير المباشرة في الناقورة في تشرين الأول 2020، وايعاز رئيس الجمهورية ميشال عون الى الوفد التقني للتفاوض على أساس الخط 29، انّما من دون تعديل المرسوم 6433/2011 وتثبيت حق لبنان في الأمم المتحدة،
  4. تراجع الرئيس ميشال عون في بداية 2022 عن المطالبة والتمسك بالخط 29 واعتباره خطاً تفاوضيّاً بينما خط لبنان المعلن هو 23، وهو ما يتطابق مع موقفي نبيه بري ونجيب ميقاتي العائد الى ترؤس حكومة 2021-2022.
  5. القول بأن لبنان حصل على الخط 23 + فيما بنود الاتفاق تشير الى الحصول بالكاد على 23، في حين سيحصل العدو على عوائد لكل ما هو جنوب الخط 23 مستقبلاً ويؤجل البحث بالأمور الخلافية لحين تسوية موضوع الترسيم البري

من هنا، انّ اي اتفاق يتم التوقيع عليه اليوم، ومهما كان شكله ومضمونه، يتضمّن مسبقاً تنازلاً عن حقوق لبنان بحدوده البحرية الكاملة، كما لا يعطي بالمقابل أية عوائد مالية مباشرة كون حقل “صيدا-قانا” الذي سيمتلكه لبنان لا يزال يحتاج الى عمليات استكشافية ستستغرق سنواتٍ طويلة قبل انتاج الكميات الأولى من الغاز، في حين سينتج الاسرائيلي من حقل كاريش في الأسابيع المقبلة.

 

أمّا وقد تنازلت المنظومة عن حقّ لبنان بمياهه وثرواته في خرق فاضح للسيادة اللبنانية مقابل أثمانٍ سياسية غير ظاهرة حتى الآن، وطالما أن استكشاف وتطوير حقل “صيدا – قانا” لن يجني ثماره الّا بعد حين، تهمل الدولة اللبنانية موضوع التنقيب عن الغاز والنفط في البرّ اللبناني متناسيةً أن لبنان حفر بين عامي 1947 و 1967 سبعة آبار على البرّ كانت تحتاج لبعض التقنيات المتطورة لتنتج النفط. علماً أن الموضوع أُعيد تحريكه خلال العقد المنصرم، كون عمليّات التنقيب على البر هي أسرع وأقلّ كلفةً ويمكن للشركات أن تأتي بالحفارات العاملة في البلدان المجاورة في فترة زمنية قصيرة. أضف الى ذلك، فان لبنان أجرى في العام 2014 مسحاً جوّياً لحوالي 6,000 كلم2 من البر اللبناني (الخريطة المرفقة) ولدى وزارة الطاقة والمياه احداثيات دقيقة للمناطق البرية الواعدة والآبار المحتملة، كما وأن المنطقة البرية المحيطة بلبنان وخاصة سوريا، شهدت عمليات حفر وانتاج في السنوات الماضية كما تشير الخريطة.

 

لا يتطلب تحريك هذا الملف سوى اقرار المجلس النيابي لقانون الموارد البترولية في البر المقدم والموجود بعدة صيغ واقتراحات قوانين في أدراج المجلس النيابي، وقد تمّ بحث العديد منها في لجان المجالس السابقة خلال السنوات العشر الماضية.

من هنا الدعوة الملحة للسادة النواب العمل وبسرعة قصوى على اقرار هذا القانون ووضعه حيز التنفيذ بدل التلهي باتفاق بحري آني لن يأتي بأية عوائد ولن يساهم بحلّ أزماتنا.