خطبة الجمعة للسيد علي فضل الله

خطبة الجمعة للسيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية رسول الله(ص)، عندما قال: ” لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم”.
هذه هي وصية رسول الله(ص) لنا عندما نختار حاكماً أو مسؤولاً أو مديراً لأي موقع من المواقع، والتي إن أخذنا بها فستسلم مواقعنا ونكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات…
والبداية من المعاناة المستمرة للبنانيين على الصعيد المعيشي والحياتي بفعل ما نشهده اليوم من الارتفاع المستمر والمتزايد في أسعار السلع والمواد الغذائية والدواء والكلفة الباهظة للاستشفاء الذي أصبح هاجسهم الأساس والنقل والتعليم، والذي بات من الواضح أنه يعود إلى التزايد المتواصل في سعر صرف الدولار الذي لا يبدو أنه سيتوقف عند حدود ما وصل إليه، إضافة إلى جشع التجار وكارتيلات النفط وللأعباء والرسوم التي فرضتها الدولة والتي ستفرضها، وفي ظل انكفاء العالم وعدم استعداده لمساعدة لبنان لعدم قيامه بالإصلاحات المطلوبة منه ولشروط يريدها من هذا البلد.
وقد أصبح من الواضح مدى التداعيات التي باتت تترتب على هذا الواقع المتردي، ولم تعد تقف عند عدم قدرة اللبنانيين على تأمين حاجاتهم الضرورية والأساسية وحتى أبسط مقومات حياتهم، بل تعدت ذلك إلى الصعيد الأمني فيما نشهده من ازدياد منسوب الجرائم والسرقة أو في ظواهر العنف أو في الرغبة في الفرار من هذا البلد حتى لو كلف ذلك غالياً.
ومع الأسف، يجري كل ذلك في ظل استمرار الواقع السياسي على حاله من الترهل والانقسام والذي نرى أبرز مظاهره في الفراغ الحاصل وحتى الآن على صعيد الحكومة، بل نجد إمعاناً فيه، والذي نخشى كما يخشى الكثيرون أن يصل إلى رئاسة الجمهورية بكل التداعيات التي سيتسبب بها.
ونحن أمام هذا الواقع، نجدد دعوتنا للقوى السياسية إلى الشعور بآلام الناس ومعاناتهم، وأن تتحمل مسؤوليتها في منع هذا الفراغ على صعيد الحكومة في الوقت المتبقي لذلك والإسراع بالتوافق على رئيس للجمهورية جامع للبنانيين في إطار المهلة الدستورية، وعدم انتظار الوحي أن يأتي من الخارج.
إننا نعيد ما رددناه سابقاً للجميع إن الوقت ليس وقت محاصصات أو تحصيل مكاسب أو وقت صراع على النفوذ أو غلبة فريق على آخر، رغم أننا نرى أن من حق أي فريق أن يكون له أو لفريقه الموقع المميز ويكون له الحظوة فيه، فهذا دأب العمل السياسي، ولكن هذا لا يحصل في وطن وصل إلى هذا الحد من الانهيار.
سنبقى في هذا البلد نثق بالغيورين عليه من الداخل والخارج الذين لن يوفروا جهداَ من أجل إنقاذه، وهم على استعداد أن يقدموا التضحيات من أجله والذين شكلوا في السابق صمام أمان له وسيشكلون ذلك في هذه المرحلة..
ونبقى على صعيد ما يجري في الداخل عند الترسيم البحري، لنشير إلى أهمية ما جرى على هذا الصعيد من وحدة الموقف اللبناني وقوته على صعيد المفاوضات التي تجري، ورفضه لأي تنازلات عن حقه في السيادة على بحره والاستفادة من ثروته…
إننا نريد لهذا الموقف أن يستمر في مواجهة الضغوط التي بدأ يمارسها هذا العدو والألاعيب التي يقوم بها والمماطلة بالاعتراف بحق اللبنانيين بالاستفادة من ثروتهم في مسعى منه للحصول على مزيد من المكاسب أو لرأب الصدع الذي حصل في بيته الداخلي.
إننا نراهن على وعي اللبنانيين وعلى ثباتهم أمام كل هذه التهاويل، وأن يبقى رهانهم على حقهم المشروع في الاستفادة من ثروتهم وعناصر قوتهم الكافية لرد تهديدات العدو، والأخذ في الحسبان نقطة ضعف العدو في حاجته إلى هذه الثروة وخشيته من الدخول في حرب مع بلد أسقط هيبته وعنفوانه مرات ومرات، ونرى أن هذا الطريق هو الطريق إلى أخذ حقوقهم كاملة، وهو الذي يجعل العدو يرضخ في نهاية المطاف…
أما في ما يتعلق بأزمة المودعين، فإننا ندعو مجدداً المصارف ومن ورائها الدولة المسؤولة عن مواطينها والضامنة لودائعهم، إلى ضرورة حل هذه الأزمة في ضوء الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطنون وعدم إبقاء هذا الجرح نازفاً لتداعياته الخطيرة بعد الحوادث المتكررة على أبواب المصارف والتي لن تتوقف ما دام هناك من يرى وديعته في المصرف ولا يستطيع الوصول إليها رغم حاجته لذلك، وهو لن يعدم وسيلة لتحقيق غايته. ولن تنفع عند ذلك ذلك الحلول الأمنية ولا إقفال المصارف ولا المعالجات الجزئية.
ونتوقف عند معاناة الشعب اليمني، التي نخشى أن تتجدد بعد انتهاء الهدنة التي سمحت لليمنيين أن يشعروا في خلالها بالأمن والاستقرار وأن يلملموا جراحهم، لندعو جميع المؤثرين في هذه الساحة إلى توفير كل الشروط التي تؤمن حلولاً جذرية لأزمات هذا البلد بما يحفظ استقرار هذه المنطقة الحساسة استراتيجياً ويوقف نزيف الدماء ويمهد لإعادة الإعمار.
وأخيراً نتوقف عند الذكرى العزيزة، ذكرى ولادة رسول الله(ص) لنتوجه بالتهنئة والتبريك إلى المسلمين خاصة اللبنانيين عموماً بالولادة المباركة لهذا النبي الذي أرسله الله رحمة للعالمين وهدى لهم وباعثاً لنهضتهم، سائلين المولى عز وجل أن يعيده علينا ونحن نحظى بكل ما دعا إليه من الوحدة والعزة والكرامة والأمن والأمان.