فجوة كبيرة بين اللبناني المقيم والمغترب بقلم رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ

فجوة كبيرة بين اللبناني المقيم والمغترب بقلم رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ

بداية، نُرحّب من كل قلبنا، بالمليون ونصف مليون سائح لبناني أو من أصل لبناني الذين ينتظرون موسم الصيف الواعد، لزيارة عائلاتهم وأرضهم وبلدهم الأم. لكن في الوقت عينه ولسوء الحظ، حُفرت فجوة كبيرة ومخيفة بينهم وبين إخوانهم المقيمين.

 

كان الاغتراب اللبناني، ولا يزال، عموداً فقرياً أساسياً لبلادنا واقتصادنا، وذلك منذ عقود طويلة. فالمغتربون اللبنانيون كانوا يُمثّلون ما يقارب 15% – 20% من الناتج المحلي، حينما كان يتراوح بين 50 و55 مليار دولار تقريباً. أما اليوم حين انحدر الناتج المحلي إلى 20 ملياراً تقريباً، أصبحت مساهمة المغتربين بنحو 50 % من إقتصادنا المحلي، وباتوا أساس إقتصادنا والمحرّك الأساسي لأيّ نمو نأمله.

 

إن المليون ونصف مليون سائح العائدين لزيارة بلدهم الأم لبنان، سيُساهمون بطريقة مباشرة وغير مباشرة في إعادة الدورة السياحية، وضخّ سيولة تُقارب الـ 3 مليارات دولار.

نذكّر بأسف، أنّ هؤلاء المغتربين غادروا بلادهم خوفاً ممّا وصلنا اليه اليوم، وها هم يعودون إلى بلادهم لزيارة عائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم، لكنهم استيقظوا على كابوس، إذ انهم سيجلسون على طاولة مع إخوتهم وجيرانهم وأصدقائهم الذين فقدوا مستوى عيشهم، والقيمة الشرائية لمداخيلهم وودائعهم وحبّهم للحياة. وحينما سيتمتعون بنزهاتهم وسهراتهم وإجازاتهم المستحقة، سيكون إخوتهم يبحثون عن الدواء أو الإستشفاء أو الوقود، ويُجاهدون لتأمين لقمة العيش والخبز المفقود، وتسديد أقساط مدارس وجامعات أولادهم.

 

فيا للأسف حُفرت فجوة كبيرة ومخيفة، بين اللبناني المغترب الذي حافظَ على قيمة مداخيله، أو حتى حين ارتفعت القيمة الشرائية لأمواله بالعملات الاجنبية في لبنان، وبين نظرائه المقيمين الذين فقدوا 90% من مداخيلهم ومستوى معيشتهم، وأصبحوا محكومين بالتسوّل لتأمين الحدّ الأدنى من حاجاتهم الأنسانية والضروية والعيش الكريم.

 

لا نتحدث عن هذه الأمور عن قهر، لا بل بالعكس، نحن فخورون بنجاحات إخواننا المغتربين، ونُذكّر بأهميتهم في إعادة النهوض والنمو، لكن في الوقت عينه، نحن نأسف ونحزن على اللبنانيين المقيمين الذين فقدوا حبّهم للحياة، وسبب الوجود، إذ بات همُّهم الوحيد محاولة التعايش مع هذه الأزمة الكارثية.

 

فهذه الفجوة أصبحت حقيقة، وواقعاً مُرّاً، ويجب ألاّ نختبىء خلف إصبعنا لعدم تقبّله، لكن ما هي العبرة التي نريد أن نُرسلها لكل الأجيال المقبلة؟ انهم محكومون بأن يرحلوا عن بلادهم كي يعيشوا بكرامتهم ويُربّوا عائلاتهم. اما الذين إختاروا أن يبقوا في لبنان، فقد دُمّرت حياتهم وكرامتهم، وأُجبروا على التسوّل للتعايش مع هذا الواقع المُرّ.

 

في الخلاصة، إنّ الفجوة الكبيرة التي حُفرت بين اللبناني المقيم واللبناني المغترب، ستكون لها تداعيات على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وقد أصبح واقعاً وحقيقة، أنّ الـ 6 ملايين لبناني المقيم، هم في الحقيقة رهائن وسجناء تم نهبُهم، ويُذلّون كل يوم، وتُدمّر حياتهم وآمالهم وأحلامهم يوماً بعد يوم.