مدرسة الروح، رمضان شهر التغيير والتواصل الإنساني

بقلم د : خالد السلامي
رمضان، هذا الضيف الكريم الذي لا يشبه غيره من الشهور، شهر يحل بنفحاته الروحانية ليملأ النفوس طمأنينة، ويعيد ترتيب الأولويات، ويوقظ في القلوب مشاعر التراحم والعطاء. إنه ليس مجرد دورة زمنية تتكرر كل عام، بل هو تجربة متجددة تحمل في طياتها دروسًا بليغة في الصبر، والانضباط، والإحساس العميق بمعنى الحياة وقيمتها.
رمضان ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب، بل هو تدريب للنفس على التحكم في رغباتها، وتهذيب السلوك، وإعادة النظر في العادات اليومية التي أصبحت جزءًا من الروتين. إنه فرصة ذهبية لمن يريد أن يبدأ من جديد، ويطهر قلبه من شوائب الحياة، ويعيد ضبط بوصلته الروحية نحو الخير والصفاء. في هذا الشهر، يكتشف الإنسان أنه قادر على تخطي شهواته، وأن الإرادة الحقيقية يمكنها أن تنتصر على الرغبات مهما بدت ملحّة، وهذا الدرس الذي يقدمه رمضان لا ينتهي بانتهاء الشهر، بل يمتد أثره إلى بقية العام، ليمنح صاحبه قوة داخلية تعينه على مواجهة تحديات الحياة.
عبادة تتجاوز الجسد إلى الروح
الصيام ليس مجرد جوع وعطش، بل هو حالة روحية متكاملة تهدف إلى تحرير النفس من قيود المادة، ورفع مستوى الوعي والإدراك نحو معانٍ أعمق. فحين يجوع الإنسان في نهار رمضان، لا يكون الهدف مجرد الامتناع عن الأكل والشرب، بل هو شعور عميق بمعاناة المحتاجين، وإحساس حقيقي بمن يبيت ليله دون طعام، فيتحول الصيام إلى درس في الإنسانية قبل أن يكون عبادة مفروضة. كما أن الإمساك عن الكلام الجارح، وضبط الأعصاب، وتجنب الغيبة والنميمة، كلها أشكال من الصيام النفسي الذي يرقّي الإنسان ويجعله أكثر وعيًا بأفعاله وكلماته.
وفي هذا الشهر، تصبح الروحانية أسلوب حياة، حيث تغدو العلاقة مع الله أكثر قربًا، فيرفع العباد أكفهم بالدعاء، ويمضون ساعاتهم بين صفحات القرآن، ويقفون في صلواتهم بخشوع لا يتكرر كثيرًا خلال العام. إن رمضان هو اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بأن الله أقرب إليه من أي وقت مضى، حيث تصفو القلوب، وتذوب الأحقاد، ويشعر المؤمن بأن روحه تعود إلى نقائها الأول.
الكرم والبذل.. قيم تتجدد
في رمضان، يتجلى العطاء بأجمل صوره، حيث يصبح الكرم سمة بارزة للمجتمعات الإسلامية، وتمتد موائد الإفطار الجماعي في كل مكان، وتزدحم الجمعيات الخيرية بالمبادرات، وتصبح الصدقة عادة يومية. يشعر الناس في هذا الشهر بأن السعادة الحقيقية ليست في الأخذ، بل في العطاء، وأن الفرحة الأعظم تكمن في رؤية ابتسامة الفقير وهو يتلقى يد المساعدة.
هذا الشهر يعيد تشكيل العلاقة بين الأغنياء والفقراء، ويقرب المسافات بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتساوى الجميع في الإحساس بالجوع والعطش، ويتذكر القادرون معاناة المحتاجين، فتتحول مظاهر الترف والبذخ إلى بساطة، ويشعر الجميع بأنهم جزء من مجتمع واحد متكافل. كما أن زكاة الفطر تأتي كلمسة ختامية لهذا العطاء، فتكون بمثابة عيدية الفقراء التي تضمن لهم فرحة العيد مثل غيرهم، مما يعزز قيمة التضامن والتكافل الاجتماعي.
رمضان والتواصل العائلي.. دفء العلاقات في زمن العزلة
في عصر التكنولوجيا المتسارعة، حيث أصبح التواصل الافتراضي بديلاً للعلاقات الحقيقية، يأتي رمضان ليعيد التوازن إلى هذه المعادلة، فيجمع الأسر على مائدة واحدة، ويحيي العادات العائلية التي كادت أن تندثر. مائدة الإفطار في رمضان ليست مجرد وقت لتناول الطعام، بل هي لحظة دافئة يلتقي فيها أفراد العائلة، يتبادلون الأحاديث، ويستعيدون ذكريات الطفولة، ويجدون في هذا الاجتماع فرصة لتعميق أواصر المحبة التي أضعفتها مشاغل الحياة.
حتى السحور، رغم بساطته، يحمل في طياته أجواء خاصة، حيث يجتمع أفراد الأسرة في سكون الليل، يتشاركون لقيمات خفيفة قبل أن يعودوا إلى أسرتهم، وكأنهم يحيون تقليدًا جميلاً يحمل في طياته كثيرًا من الحميمية. رمضان يعيد إلينا قيمة العائلة، ويذكرنا بأن الروابط الإنسانية لا يجب أن تضعف أمام زحام الأيام، بل تحتاج إلى لحظات من التلاقي والتواصل الصادق.
التغيير الإيجابي.. رمضان بداية جديدة
من أعظم الدروس التي يمنحها رمضان هو أنه يمكن للإنسان أن يتغير، وأن الإرادة الصادقة قادرة على تحقيق المستحيل. فالكثيرون يجدون في هذا الشهر الفرصة المثالية لترك العادات السيئة، سواء كان ذلك الإقلاع عن التدخين، أو الابتعاد عن الإسراف، أو حتى تصحيح نمط حياتهم الغذائي ليكون أكثر صحة. إنه وقت مثالي لإعادة ترتيب الأولويات، وتحديد الأهداف، والانطلاق نحو أسلوب حياة أكثر توازنًا.
كما أن رمضان يعزز قيم الانضباط، حيث يصبح الإنسان أكثر حرصًا على تنظيم وقته بين العبادة والعمل والأسرة، وهو ما ينعكس إيجابًا على حياته بعد انتهاء الشهر. فإذا استطاع الشخص أن يلتزم بالصيام والصلاة وقراءة القرآن لمدة ثلاثين يومًا، فهذا يعني أنه قادر على الاستمرار في هذه العادات الجيدة حتى بعد رمضان، شرط أن تكون لديه الإرادة لمواصلة الطريق.
رمضان.. محطة من نور
رمضان ليس مجرد أيام تمضي، بل هو محطة ضوء وسط زحام الحياة، يتيح للإنسان أن يقف مع نفسه، يراجع ذاته، يتأمل في أفعاله، ويبحث عن طريق أفضل للمستقبل. هو ليس مجرد شهر من الصيام والقيام، بل هو فرصة لملء القلب بالإيمان، والعقل بالحكمة، والروح بالطمأنينة.
إنه الشهر الذي يعلمنا أن التغيير ممكن، وأن الإنسان قادر على تحقيق الأفضل، إذا امتلك العزيمة والإرادة. والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل واحد منا على نفسه: هل سنخرج من رمضان أشخاصًا أفضل؟ أم أننا سنتركه يمر كأنه لم يكن؟ القرار بيدنا، والفرصة لا تزال أمامنا لنصنع من هذا الشهر بداية جديدة، لا تنتهي مع غروب آخر يوم منه.
المستشار الدكتور خالد السلامي .. حصل على “جائزة أفضل شخصيه تأثيرا في الوطن العربي ومجتمعية داعمه ” لعام 2024
حصل المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم .
وحاصل أيضًا! على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي لعام 2023 ؛ ويعد” السلامي “عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي .والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة
كما حاصل على “جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه “وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمه الامريكيه للعلوم والأبحاث.
ويذكر أن ” المستشار خالد “هو رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.